للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَخُنْ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِجُعْلِهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ جُعْلَهُ ثَابِتٌ وَالْمُوَكِّلُ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَمِينٌ لِمُوَكِّلِهِ وَالْمُوَكِّلُ يَدَّعِي حُدُوثَ خِيَانَةٍ فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ طَعَامًا فَسَلَّفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ بِمِثْلِهِ طَعَامًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَالطَّعَامِ لَهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ وَكَالَتِهِ بِالتَّعَدِّي وَاشْتَرَى بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَدِّمَةً لَا يُسْتَغْنَى عَنْ شَرْحِهَا وَتَقْرِيرِ الْمَذْهَبِ فِيهَا لِيَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا. وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا وَكَّلَ رَجُلًا فِي ابْتِيَاعِ مَتَاعٍ لَهُ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ وأم لَا.

فَإِنْ لَمْ يَدْفَعِ الثَّمَنَ إِلَيْهِ، جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، نَاوِيًا بِهِ أَنَّهُ لِمُوَكِّلِهِ فَيَكُونُ الْمِلْكُ بِالْعَقْدِ وَاقِعًا لِلْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: يَقَعُ الْمِلْكُ بِالْعَقْدِ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُوَكِّلِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَا مَلَكَهُ الْإِنْسَانُ بِعَقْدِ غَيْرِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْعَاقِدِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى مُتَمَلِّكِهِ كَالشُّفْعَةِ يَقَعُ الْمِلْكُ إِلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى الشَّفِيعِ. وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ بِعَقْدِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ لَهُ الْمِلْكُ بِعَقْدِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُثَمَّنِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ شُرُوطِ الْعَقْدِ وَالِافْتِرَاقِ مُعْتَبَرًا بِالْعَاقِدَيْنِ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مُوجِبُهُ مِنَ الْمِلْكِ وَاقِعًا لِلْعَاقِدَيْنِ.

وَدَلِيلُنَا أَنَّ كُلَّ مَا عَقَدَ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ اقْتَضَى وُقُوعَ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ لِلْمُوَكِّلِ كَالنِّكَاحِ. وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ نَابَ فِي الْعَقْدِ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ بِهِ لِلْمَعْقُودِ لَهُ دُونَ عَاقِدِهِ قِيَاسًا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَأَبِي الطِّفْلِ. وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ بِالْعَقْدِ مِلْكًا لِلْمُوَكِّلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ فِي الشِّرَى لَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ الْمُثَمَّنَ وَيَكُونُ الْعَقْدُ بِالْمِلْكِ لِلْمُوَكِّلِ. وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ أَحَدُ الْمَمْلُوكَيْنِ بِالْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ بِالْعَقْدِ قِيَاسًا عَلَى الثَّمَنِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالشُّفْعَةِ فَمُنْتَقَضٌ بِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَأَبِ الطِّفْلِ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الشَّفِيعِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ الْعَقْدِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالثَّمَنِ فَسَنَذْكُرُ مِنْ شَرْحِ الْمَذْهَبِ فِيهِ مَا يَكُونُ انْفِصَالًا عَنْهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ فكذا موجبه في الملك واقعا

<<  <  ج: ص:  >  >>