أَحَدُهَا: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ هَا هُنَا أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ "؛ وَلِأَنَّهُ مُهَيِّبٌ وَمُكَثِّرٌ كَالصَّحِيحِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَعُ بِرَأْيِهِ أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ بِقِتَالِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُسْهَمَ لَهُ وَيُعْطَى رَضْخًا؛ لِأَنَّهُ مَسْلُوبُ النُّهُوضِ بِالْمَرَضِ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَرِيضًا يَخْرُجُ بِهِ، مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ كَالْعَمَى وَقَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوِ الرِّجْلَيْنِ أَوِ الزَّمَانَةِ الْمُقْعِدَةِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ.
وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ فَيُرْجَى زَوَالُهُ بِالْعَوْدِ إِلَى الصِّحَّةِ كَالْحُمَّى الشَّدِيدَةِ، وَرَمَدِ الْعَيْنِ، وَانْطِلَاقِ الْجَوْفِ أُسْهِمَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي فَرْضِ الْجِهَادِ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَجِيرٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يسهم له وتطرح الإجارة وَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ يُرْضَخُ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الْأَجِيرَ إِذَا حَضَرَ الْوَاقِعَةَ لَمْ يَخْلُ حَالُ إِجَارَتِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً فِي ذِمَّتِهِ أَوْ مُعَيَّنَةً فِي رَقَبَتِهِ.
فَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ أُسْهِمَ لَهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُقُوقِ فِي الذِّمَمِ لَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ فِي الْمَغْنَمِ كَالدُّيُونِ.
وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فِي رَقَبَتِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُقَدَّرَةً بِالْعَمَلِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُقَدَّرَةً بِالزَّمَانِ.
فَإِنْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ فِيهَا مُقَدَّرَةً بِالْعَمَلِ كَرَجُلٍ استأجر لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ صِنَاعَةِ حُلِيٍّ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ إِجَارَةً لَازِمَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ إِجَارَةً يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِهَا فَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِهَا فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ لِلسَّهْمِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا سَهْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ بِالْعَقْدِ مُسْتَحَقَّةٌ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ فَعَلَى هَذَا يُرْضَخُ لَهُ وَهُوَ عَلَى إِجَارَتِهِ مُسْتَحِقٌّ لِأُجْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَضْ عَنْ مَنْفَعَتِهِ فَانْصَرَفَتْ إِلَى إِجَارَتِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَنَافِعِهِ بِالْعَقْدِ لَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِيفَاءِ أَحْكَامِ قُرْبِهِ كَالْحَجِّ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ خَالَفَ أَحْكَامَ الْعَبْدِ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ حُضُورُ الْوَقْعَةِ لَا يمنع