للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْعِدَّةِ مِنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ وَزَوْجٍ غَائِبٍ)

[(مسألة)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ " وَإِذَا عَلِمَتِ الْمَرْأَةُ يَقِينَ مَوْتِ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَيِّ عِلْمٍ اعْتَدَّتْ مِنْ يَوْمِ كَانَتْ فِيهِ الْوَفَاةُ وَالطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ حَتَّى تَمْضِيَ الْعِدَّةُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا لِأَنَّهَا مُدَّةٌ وقت مَرَّتْ عَلَيْهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ تَكُونُ الْوَفَاةُ أَوِ الطَّلَاقُ " وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا غَابَ الزَّوْجُ عَنِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَ، أَوْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ فَعِدَّتُهَا إِذَا عَلِمَتْ بِطَلَاقِهَا أو موته في حِينِ الطَّلَاقِ أَوِ الْمَوْتِ لَا مِنْ وَقْتِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ عَلِمَتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ خَبَرٍ.

وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أَوَّلَ عِدَّتِهَا مِنْ وَقْتِ عِلْمِهَا بِطَلَاقِهِ أَوْ مَوْتِهِ، وَلَا تَعْتَدُّ بِمَا مَضَى سَوَاءٌ عَلِمَتْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ خَبَرٍ.

وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِنْ عَلِمَتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ اعْتَدَّتْ بِمَا مَضَى، وَإِنْ عَلِمَتْهُ بِخَبَرٍ اعْتَدَّتْ مِنْ وَقْتِهَا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وَالتَّرَبُّصُ فِعْلٌ مِنْهَا مَقْصُودٌ فَخَرَجَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ فُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكٍ قُتِلَ زَوْجُهَا فِي سَفَرٍ بِالْقَدُومِ فَلَمَّا عَلِمَتْ بِقَتْلِهِ أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ لَهَا: امْكُثِي فِي بَيْتِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَأَمَرَهَا بِاسْتِئْنَافِ الْعِدَّةِ لِوَقْتِهَا وَلَمْ يَعْتَبِرْ بِهَا مَا مَضَى، وَلِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ فِي الْعِدَّةِ بِالْإِحْدَادِ، وَاجْتِنَابِ الطِّيبِ وَأَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ مَسْكَنِهَا، وَهِيَ قَبْلَ عِلْمِهَا غَيْرُ قَاصِدَةٍ لِأَحْكَامِ الْعِدَّةِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِي عِدَّةٍ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَعْتَدُّنَّ فِيهِ فَدَلَّ عَلَى اتِّصَالِ الْعِدَّةِ بِالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا انْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>