فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيَطْرُدَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ جَرْحَهُمْ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ: -
أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ يُمَكِّنُهُ مِنْ جَرْحِهِمْ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ يُوَسِّعُ لَهُ فِي الزَّمَانِ وَلَا يُضَيِّقُهُ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا إِنْ أَمْسَكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ تَمْكِينِهِ مَنْ جَرْحِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. أَمْسَكَ الْحَاكِمُ عَنْ إطْرَادِ جَرْحِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ نَظَرَ:
فَإِنْ تَوَجَّهَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَعْرِفُ جَوَازَ إِطْرَادِهِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَهُ.
وَإِنْ تَوَجَّهَ إِلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، أَعْلَمَهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ إِطْرَادِ الْجَرْحِ، فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ مَكَّنَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أَمْسَكَ عَنْهُ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، لِأَنَّه حَقٌّ لَهُ وَلَيْسَ بِحَقٍّ عَلَيْهِ.
( [الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ مَا يُجْرَحُ بِهِ الشُّهُودُ] )
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا أَقْبَلُ الْجَرْحَ مِنَ الْجَارِحِ إِلَّا بِتَفْسِيرِ مَا يَجْرَحُ بِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْأَهْوَاءِ وَتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُونَ بِالتَّأْوِيلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي دَعْوَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ جَرْحُ الشُّهُودِ، لَمْ تَقْبَلْ دَعْوَاهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى يُفَسِّرُهَا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا يُفَسَّقُ بِهِ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا وَارِثٌ. لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ حَتَّى يَذْكُرَ مَا صَارَ بِهِ وَارِثًا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْمَوَارِيثِ.
فَإِذَا قَالَ: هَذَا الشَّاهِدُ فَاسِقٌ أَوْ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، أَوْ لَيْسَ بِمَقْبُولِ الشَّهَادَةِ.
قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ مَا صَارَ بِهِ فَاسِقًا غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ.
فَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا لَا يَكُونُ فِسْقًا، رُدَّتْ دَعْوَاهُ وَحُكِمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا يَكُونُ فِسْقًا، كُلِّفَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْفِسْقِ الَّذِي ادَّعَاهُ، لِيَكُونَ الْفِسْقُ مُفَسَّرًا فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَإِنْ فَسَّرَهَا الْمُدَّعِي بِنَوْعٍ مِنَ الْفِسْقِ وَفَسَّرَهَا الْمَشْهُودُ بِنَوْعٍ آخَرَ، حُكِمَ بِالْفِسْقِ مَعَ اخْتِلَافِ سَبَبِهِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثُبُوتَ الْفِسْقِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ اخْتِلَافُ أَنْوَاعِهِ إِذَا فُسِّقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَقَدْ يَعْلَمُ الشُّهُودُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْمُدَّعِي.
فَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالتَّعْدِيلِ فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى التَّفْسِيرِ، وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيقُ مُحْتَاجًا إِلَى تَفْسِيرٍ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْعَدَالَةَ مُوَافَقَةُ أَصْلٍ فَاسْتَغْنَى عَنْ تَفْسِيرِ، وَالتَّفْسِيقُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ فَاحْتَاجَ إِلَى تَفْسِيرٍ.