للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا رِوَايَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمَيِّتَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " فَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إن الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه " حسبكم القرآن " {لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) {فاطر: ١٨) وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ يَفْتَقِرُ إِلَى تَأْوِيلٍ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ حَمْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِ، فَلِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: مَا رَوَتْهُ عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجْتَازَ عَلَى قَبْرِ يَهُودِيٍّ، وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ إِنَّهُ لَيُبْكَى عَلَيْهِ، وَإِنَهُ لَيُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فَقَالَ ذَلِكَ إِخْبَارًا عَنْ حَالِهِ.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يُبْكَى بِهِ الْجَاهِلِيُّ مِنْ حُرُوبِهِ، وَقَتْلِهِ، وَغَارَاتِهِ، فَيَظُنُّونَ أَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ رَحْمَةٌ لَهُ فَيَكُونُ عَذَابًا عَلَيْهِ.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ: أَنَّهُ وَارِدٌ فِيمَنْ وصل بِالْبُكَاءِ، فَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَقَالَ شَاعِرٌ مِنْهُمْ:

(فَإِنْ مِتُّ فَانْعي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا أم مَعْبَدِ)

فَإِذَا عُمِلَ بِذَلِكَ بَعْدَهُ كَانَ زَائِدًا فِي عَذَابِهِ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

فَصْلٌ

: يُكْرَهُ الْوَطْءُ عَلَى الْقَبْرِ، وَالِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ، وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَإِيقَادُ النَّارِ عِنْدَهُ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْمَشْيِ عَلَيْهِ، خَلَعَ نَعْلَهُ مِنْ رِجْلِهِ، وَمَشَى مَا أَمْكَنَ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ، فَرَأَى رَجُلًا يَمْشِي بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِنَعْلَيْهِ، فَقَالَ: يَا صَاحِبَ السِّبْتَيْنِ اخْلَعْ سِبْتَيْكَ قَالَ: فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَإِذَا بِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فخعلهما فَرَمَى بِهِمَا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ الْمَبِيتَ عِنْدَ الْقُبُورِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْوَحْشَةِ وَإِزْعَاجِ القلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>