للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ خَبَرٌ لَزِمَ فِيهِ الِاحْتِيَاطُ فَمُيِّزَ بِعَدَدٍ وَرُوعِيَ فِيهِ صِدْقُ الْمُخْبِرِينَ لَا عَدَالَةُ الشُّهُودِ.

وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْهَلَ الْوَالِي أَمْرَهُ وَلَا يَعْلَمُهُ غَنِيًّا وَلَا فَقِيرًا فَلَا يَخْلُو حَالُ السَّائِلِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ مُوَافِقًا لِمَسْأَلَتِهِ أَوْ مُخَالِفًا لَهَا، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُوَافِقًا لِمَسْأَلَتِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ سِمَاتِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ وَدَلَائِلِ الضُّرِّ فِي ضَعْفِ بَدَنِهِ وَرَثَاثَةِ هَيْئَتِهِ فَهَذَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ تَعْوِيلًا عَلَى شَاهِدِ حَالِهِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ يُوعَظُ بِهِ وَلَا يَمِينٍ يَحْلِفُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُخَالِفًا لِمَسْأَلَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوِيَّ الْبَدَنِ حَسَنَ الْهَيْئَةِ فَيَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَى طَرِيقِ الْوَعْظِ وَالْإِخْبَارِ بِحَالِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، مَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلَّذَيْنِ سَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهِمَا، وَصَوَّبَ ثُمَّ قَالَ: " إِنْ شِئْتُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي قُوَّةٍ مُكْتَسِبٍ " فَإِذَا قَالَ لَهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَأَقَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ يستحق الصدقة أعطاه منها؛ لأنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلرَّجُلَيْنِ: " إِنْ شِئْتُمَا " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهُمَا، وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى فَقْرِهِ قَبْلَ الدَّفْعِ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا عَرَضَ الْيَمِينَ عَلَى الرَّجُلَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحَلِّفُهُ عَلَى فَقْرِهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ، فَأَمَّا إِنِ ادَّعَى عِيَالًا فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهِمْ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الْعِيَالِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِمْ، لِأَنَّهَا دَعْوَى تُخَالِفُ الظَّاهِرَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمْ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهِ وَإِضَافَتِهِمْ إِلَيْهِ لَكِنْ لَا تُقْبَلُ إِلَّا يَمِينٌ يَحْلِفُ بِهَا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَزِيدُ بِهَا عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي: " وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا مَنْ وَلَّاهُ الْوَالِي قَبْضَهَا وَمَنْ لَا غِنَى لِلْوَالِي عَنْ مَعُونَتِهِ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَلِي قَبْضَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَا مِنَ الْقَائِمِينَ بِالْأَمْرِ بأخذها فليسا عندنا ممن له فيها حق لأنهما لا يليان أخذها وشرب عمر رضي الله عنه لبنا فأعجبه فأخبر أنه من نعم الصدقة فأدخل أصبعه فاستقاءه (وقال) ويعطى العامل بقدر غنائه من الصدقة وإن كان موسرا لأنه يأخذه على معنى الإجارة ".

قال الماوردي: وقد ذَكَرْنَا أَنَّ سَهْمَ الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ ثَابِتٌ إِذَا تَوَلَّوْا قَبْضَهَا وَتَفْرِيقَهَا، وَسَاقِطٌ مِنْهَا إِذَا تَوَلَّى رَبُّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قَالَ رَبُّ المال المتولي للتفريق زَكَاتِهِ أَنَا آَخُذُ سَهْمَ الْعَامِلِينَ لِنَفْسِي لِلْقِيَامِ بِالْعَمَلِ فِي التَّفْرِقَةِ مَقَامَ الْعَامِلِينَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْعَامِلَ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ قَبْضَهَا وَتَفْرِيقَهَا نِيَابَةً عَنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَرَبُّ الْمَالِ إِنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>