أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِيرُ أَوْلَى بِهِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ لِتَرَجُّحِهِ بِالْقُرْعَةِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِيهِ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ، وَإِنْ تَوَلَّاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ أولى به من طريق الاختيار ليكافئ الْجَمَاعَةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِيهِ كَانَ تَارِكًا لِحَقِّهِ وَالْمُتَوَلَّى لَهُ قَائِمٌ فِيهِ بِحَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ تَوَلَّاهُ غَيْرُهُ من الجماعة بغير إذنه كالنكاح كان جائزاً.
[مسألة]
قال الشافعي: " وإن كَانَ غَيْرَ كفؤٍ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ قَبْلَ إِنْكَاحِهِ فَيَكُونُ حَقًّا لَهُمْ تَرَكُوهُ ".
قَالَ الماوردي: وإذا رضيت المرأة لنفسها رجلاً ودعت أوليائها إلى تزويجها به لم يخل حال الرجل من أن يكون كفؤاً لها وغير كفءٍ، فإن كان كفء لَزِمَهُمْ تَزْوِيجُهَا بِهِ، فَإِنْ قَالُوا نُرِيدُ مَنْ هو أكفأ منه لم يكن لهم ذاك، لِأَنَّ طَلَبَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْكَفَاءَةِ خُرُوجٌ عَنِ الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَسَقَطَ، وكانوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَضْلَةً يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ دُونَهُمْ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كُفْءٍ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ تَزْوِيجِهَا لِئَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِمُ عَارٌ مقض فَلَوْ رَضُوا بِهِ إِلَّا وَاحِدٌ كَانَ لِلْوَاحِدِ منعها منه لما يلحقه من عار وَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ الْمَقْذُوفِ إِذَا أعفوا عن القاذف إلا واحد كان الواحد أن يجده لما يلحقه من معرة القذف، فلو بادر أَحَدُ أَوْلِيَائِهَا بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَاقِينَ وَرِضَاهُمْ فَزَوَّجَهَا بهذا الذي ليس كفءً لَهَا فَظَاهِرُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا وَفِي كِتَابِ " الْأُمِّ " إنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ قَبْلَ إِنْكَاحِهِ فَيَكُونُ حقاً لهم، وَقَالَ فِي كِتَابِ " الْإِمْلَاءِ ": فَإِنْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كفءٍ كَانَ لَهُمُ الرَّدُّ، فَظَاهِرُ هَذَا جَوَازُ النِّكَاحِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ خِيَارُ الْفَسْخِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اخْتِلَافَ الْجَوَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: - وهو ظاهر نص فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّ عَدَمَ الْكَفَاءَةِ نَقْصٌ يَجْرِي مَجْرَى العيوب في النكاح والبيع تُوجِبُ خِيَارَ الْفَسْخِ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - وَهُوَ ظَاهِرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي كِتَابِ " الْأُمِّ " - أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يَقَعُ مَوْقُوفًا على الإجازة فإذا لم ينعقد لأن ما كان باطلاً، ولأن غير الكفؤ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ فَكَانَ الْعَقْدُ فِيهِ بَاطِلًا كَمَنْ عُقِدَ عَلَى غَيْرِهِ بَيْعًا أَوْ نِكَاحًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهَذَا أَحَدُ مَذْهَبَيْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَطَائِفَةٍ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّ اخْتِلَافَ الْجَوَابَيْنَ عَلَى اخْتِلَافُ حَالَيْنِ وَلَيْسَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، والذي يقتضيه نصبه في هذا الموضع من إطلاق النِّكَاحِ، هُوَ إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ الْعَاقِدُ عَالِمًا بِأَنَّ الزَّوْجَ غَيْرُ كفءٍ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّهُ فِي " الْإِمْلَاءِ " مِنْ جَوَازِ النِّكَاحِ