والثاني: الحصى نجس، لِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةٌ فَيُكْرَهُ أَدَاؤُهَا بِنَجِسٍ.
وَالثَّالِثُ: مَا رُمِيَ بِهِ مَرَّةً، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَبَّلٍ وَرَوَى ابْنُ أَبَى سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي نَرْمِي بِهَا كُلَّ عامٍ فَيَنْحَسِبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ. قال: إنها مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا يُرْفَعُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتَهَا مثل الجبال.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمِنْ حَيْثُ أَخَذَ أَجْزَأَ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ حَجَرٍ مرمرٍ أَوْ برامٍ أَوْ كذانٍ أَوْ فهرٍ فَإِنْ كَانَ كَحْلًا أَوْ زَرْنِيخًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَمْ يُجْزِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: رَمْيُ الْجِمَارِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِمَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَجَرِ وَإِنْ تَنَوَّعَ رِخْوًا كَانَ أَوْ صُلْبًا، فَأَمَّا مَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَجَرِ مِنَ الْآجُرِّ، والطين، والجص والنورة والقوارى، وَالْكُحْلِ، وَالزَّرْنِيخِ، وَالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ، وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، وَاللُّؤْلُؤِ وَالْمِلْحِ، فَلَا يَجُوزُ رَمْيُ الْجِمَارِ بِهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ بِمَا يَنْطَبِعُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ.
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِالْعُصْفُورِ الْمَيِّتِ اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فإذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شَيْءٍ " وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ سُكَيْنَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ " رَمَتْ سِتَّ حصياتٍ فَأَعْوَزَتْهَا السَّابِعَةُ فَرَمَتْ بِخَاتَمِهَا " وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَضَعَ حَصَى الْجِمَارِ فِي يَدِهِ وَقَالَ: " بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا " فَعُلِمَ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلًا لَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِهِ، وَمِثْلُ الْحَصَى حَصًى، وَلَيْسَ غَيْرُ الْحَصَى مِثْلًا لِلْحَصَى.
وَرَوَى أَبُو مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ أَفَاضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهَبَطَ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ " وَهَذَا أَمْرٌ بِالْحَصَى وَلِأَنَّهُ رَمَى بِغَيْرِ حَجَرٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئُ، كَالثِّيَابِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ " إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ " فَالْمَقْصُودُ بِهِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ لَا مَا يجوز الرمي به.
وأما حدث سُكَيْنَةَ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا رَمَتْ خَاتَمَهَا إِلَى سَائِلٍ كَانَ هُنَاكَ وَلَوْ صَحَّ أَنَّهَا رَمَتْ به بدلاً من الحصى السَّابِعَةِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ فَصُّهُ وَكَانَ حَجَرًا وَفَصَّةُ الخاتم تبعاً.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ رَمَى بِمَا قَدْ رُمِيَ بِهِ مَرَّةً كَرِهْتُهُ وَأَجْزَأَ عَنْهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّنَا نَكْرَهُ لَهُ الرَّمْيَ بِمَا قَدْ رَمَى بِهِ لِمَا رُوِّينَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَجَرُ قربان فما يقبل رُفِعَ وَمَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ تُرِكَ " فَإِنْ رمى