أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطِّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي إسحاق المروزي أنه يجزئه، لِأَنَّ التَّمْلِيكَ قَدْ حَصَلَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ قَدْ وُجِدَتْ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِسْمَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ لا يجزيه حَتَّى يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَهُوَ مُدٌّ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِشَاعَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَيَحْتَاجُ إِلَى مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ رُطَبًا لِمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ مُؤْنَةِ تَجْفِيفِهِ وَلَا سُنْبُلًا لِمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ مُؤْنَةِ دياسته وتصفية.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَلَا خُبْزًا حَتَّى يُعْطِيَهُمُوهُ حَبًّا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَصَّ عَلَى الْحُبُوبِ فَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَبَّ أَكْثَرُ مَنْفَعَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَزَرْعُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ، فَإِذَا صَارَ دَقِيقًا أَوْ سَوِيقًا أَوْ خُبْزًا نَقَصَتْ مَنَافِعُهُ وَإِخْرَاجُ النَّاقِصِ فِي مَوْضِعِ الْكَامِلِ غَيْرُ مُجْزِئٍ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيُّ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْخُبْزِ لِأَنَّهُ مُهَيَّأٌ لِلِاقْتِيَاتِ مُسْتَغْنٍ عَنْ مَؤُونَةٍ وَعَمَلٍ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الِاقْتِيَاتَ أَحَدُ مَنَافِعِهِ وَإِذَا كَمُلَ اقْتِيَاتُهُ بِالْخُبْزِ فَقَدْ فَوَّتَ كَثِيرًا مِنْ مَنَافِعِهِ الَّتِي رُبَّمَا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا أَدْعَى وَالنَّفْسُ إِلَيْهَا أَشْهَى.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَسَوَاءٌ مِنْهُمُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَأَنَّ الصَّغِيرَ رُبَّمَا كَانَ أَمَسَّ حَاجَةً، وَلِأَنَّ الْإِطْعَامَ فِي مُقَابَلَةِ الْعِتْقِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ عِتْقُ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكَذَلِكَ الْإِطْعَامُ يَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ إِلَّا أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَبْضُ مَا يُعْطَى حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلَيُّهُ مِنَ الْمُكَفِّرِ أَوْ مِنَ الصَّبِيِّ بَعْدَ دَفْعِهِ إِلَيْهِ فَيُجْزِئُ، فَإِنْ أَكَلَهُ الصَّبِيُّ أَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى وَلِيِّهِ لم يجزه وكذلك المجنون.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ كَفَّارَتَهُ أَوْ زَكَاتَهُ إِلَى أَحَدٍ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ وَالِدَيْهِ وَمِنْ مَوْلُودِهِ. فَالْوَالِدُونَ هُمُ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَنَفَقَاتُهُمْ تَجِبُ عَلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ الْفَقْرُ وَالزَّمَانَةُ. وَالْمَوْلُودُونَ: هُمُ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ وَبَنُو الْبَنِينَ وَبَنُو الْبَنَاتِ وَنَفَقَاتُهُمْ تَجِبُ بِشَرْطَيْنِ الْفَقْرُ وَالصِّغَرُ أَوِ الزَّمَانَةُ مَعَ الْكِبَرِ، فَإِذَا وَجَبَتْ نَفَقَاتُهُمْ بِمَا ذَكَرْنَا كَانَ مَا دَفَعَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ غَيْرَ مجزئ لأمرين: