أَحَدُهُمَا: مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] .
وَالثَّانِي: مَا رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى أُمِّ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٣] قَالَتِ: اقْرَأْ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٣] فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حَيْثُ حَلَفَ: لَا يُوَرِّثُ وَلَدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] أَيْ لَا تَمْنَعُوهُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ حَلَفْتُمْ أَن لَا تُوَرِّثُوهُمْ، فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى هَذَا السَّبَبِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْوَصَايَا، فَهُوَ أَنَّ الْوَصَايَا تَقِفُ عَلَى خِيَارِ الْمُوصِي مَعَ وُجُودِ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ، فَخَالَفَ مَا لَا يَصِحُّ مَعَ النَّسَبِ، وَلَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِحَلِفٍ.
فَصْلٌ
وَالثَّانِي: اللَّقِيطُ، اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لِمُلْتَقِطِهِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ.
وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ وَلَاءَ اللَّقِيطِ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ شَيْبَانُ الْتَقَطَ لَقِيطًا، فَقِيلَ لَهُ: مَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى الْتِقَاطِهِ؟ قَالَ رَأَيْتُ نَفْسًا ضَائِعَةً، فَرَحَمْتُهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْكَ نَفَقَتُهُ، فَشَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، فَأَخَذَ بِهَذَا، وَجَعَلَ لِلْمُلْتَقِطِ وَلَاءَ لَقِيطِهِ اتِّبَاعًا لَهُ، وَاسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: (تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ مَوَارِيثَ: مِيرَاثَ لَقِيطِهَا، وميراث عتيقها، وميراث ولدها الذي لا عنت عَلَيْهِ) . وَلِأَنَّ إِنْعَامَهُ عَلَيْهِ بِالِالْتِقَاطِ فِي حِرَاسَةِ نَفْسِهِ أَعْظَمُ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهِ مِنْ رِقِّهِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِوَلَائِهِ.
وَدَلِيلُنَا، مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ سُقُوطِ الْوَلَاءِ، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) . وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ مُسْتَحَقٌّ بِإِخْرَاجِ الْعَبْدِ مِنْ نَقْصِ الرِّقِّ إِلَى كَمَالِ الْحُرِّيَّةِ، وَأَحْكَامُ اللَّقِيطِ قَبْلَ الِالْتِقَاطِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِحِرَاسَةِ نَفْسِهِ الْوَلَاءُ، كَمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنِ اسْتَنْقَذَ غَرِيقًا، أَوْ فَكَّ أَسِيرًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ لِشَيْبَانَ الْوِلَايَةَ عَلَى اللَّقِيطِ فِي الْقِيَامِ بِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْوَلَاءَ فِي مِيرَاثِهِ، وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ إِنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا ادَّعَتِ اللَّقيطَ ولداً والثالث يؤكده.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَالَّذِي أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِمُعْتِقٍ فَلَا وَلَاءَ لَهُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute