وَقَالَ أبو حنيفة: الْقَرِيبُ مِنْهُمْ أَحَقُّ مِنَ الْبَعِيدِ، فَجَعَلَ الْإِخْوَةَ أَوْلَى مِنْ بَنِيهِمْ، وَبَنِي الْإِخْوَةِ أَوْلَى مِنَ الْأَعْمَامِ، فَأَمَّا بَنُو الْأَعْمَامِ فَلَيْسُوا عِنْدَهُ مِنَ الْقَرَابَةِ.
وَهَذَا فَاسِدٌ: لِأَنَّ اسْمَ الْقَرَابَةِ إِذَا انْطَلَقَ عَلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ، انْطَلَقَ عَلَيْهِمْ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ.
فَصْلٌ:
وَسَوَاءٌ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَخْتَصُّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ.
وَهَذَا فَاسِدٌ: لِأَنَّهُمْ أُعْطَوْا بِالِاسْمِ لَا بِالْحَاجَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ كَالْمِيرَاثِ وَسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى.
فَصْلٌ:
وَيُسَوّى بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ.
وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ يُعْطى الذَّكَر مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كسهم ذي الْقُرْبَى.
وَهَذَا فَاسِدٌ: لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِمُسَمَّى فَأَشْبَهَتِ الهبات والصدقات، وأما سهم ذي الْقُرْبَى: فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَحِقُّوهُ بِالْقَرَابَةِ وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوهُ بِالنُّصْرَةِ مَعَ الْقَرَابَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَخْرَجَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ وَأَدْخَلَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَرَابَتَهُمْ وَاحِدَةً. لِأَنَّ بَنِي الْمَطَّلِبِ نَصَرُوا بَنِي هَاشِمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَإِذَا اسْتَحَقُّوا بِالنُّصْرَةِ مَعَ الْقَرَابَةِ، فُضِّلَ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ لاختصاصهم بالنصرة.
فَصْلٌ:
وَيَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَرِثْ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ مِنَ الْقَرَابَةِ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] أَنَّهُمُ الْأَوْلَادُ.
وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤] . كَانَتْ فَاطِمَةُ فِي جُمْلَةِ مَنْ دَعَاهَا لِلْإِنْذَارِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا نُظِرَ فِي أَقَارِبِهِ، فَإِنْ كَانُوا عَدَدًا محصورا فرق الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَرِيبِهِمْ وَبِعِيدِهِمْ، وَصَغِيرِهِمْ، وَكَبِيرِهِمْ، وَغَنِيِّهِمْ، وَفَقِيرِهِمْ، ذُكُورِهِمْ، وَإِنَاثِهِمْ، وَلَوْ مُنِعَ أَحَدُهُمْ مِنْ سَهْمِهِ كَانَ الْوَصِيُّ الْمَانِعُ لَهُ ضَامِنًا بِقَدْرِ حَقِّهِ. وَلَوْ رَدَّ أَحَدُهُمْ سَهْمَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَقْبَلْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى بَاقِي الْقَرَابَةِ.
وَإِنْ كَانَ أَقَارِبُهُ عَدَدًا كَبِيرًا لَا يَنْحَصِرُونَ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِمْ كَالْفُقَرَاءِ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمْ، لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَمْ يَلْزَمْ إِعْطَاءُ الْجَمِيعِ، لَمْ يَحْرُمِ التَّفْضِيلُ، فَلَوْ أَنَّ مَنْ صُرِفَ الثُّلُثُ إِلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْهُ. لَمْ يَعُدْ مِيرَاثًا وَصُرِفَ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْقَرَابَةِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي اسْمِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقُ وَالرَّضِيعُ.