للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمر على ما قاله المزني، وإنما ذكره الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ وَالصَّدَاقِ قَوْلَانِ فَهُمَا سواء والله أعلم.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَلَوْ قَالَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ طَلِّقْ فُلَانَة عَلَى أَنَّ لَكَ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ لَهُ لَازِمَةٌ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا خَالَعَهُ أَجْنَبِيٌّ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهَا صَحَّ، وَكَانَ وَكِيلًا لَهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ قَدْ خَالَعَ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجَةِ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ فَقَالَ لَهُ: طَلِّقْ زَوْجَتَكَ فُلَانَة بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَكَ عَلَيَّ، صَحَّ الْخُلْعُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ الْأَلْفُ الَّتِي بَذَلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِيهِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَمْلِكُ بِهِ الْبُضْعَ، وَالْبُضْعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهُ بِالْعِوَضِ، إِلَّا زَوْجٌ بِنِكَاحٍ أَوْ زَوْجَةٌ بِخُلْعٍ، فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ الْأَجْنَبِيُّ كَالْخُلْعِ وَلَا الزَّوْجَةُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا، وَلِأَنَّ الْأَعْوَاضَ إِنَّمَا تُبْذَلُ فِي الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ، وَإِلَّا كَانَتْ سَفَهًا، وَمِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا غَرَضَ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي هَذَا الْخُلْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا، وَهَذَا خَطَأٌ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ بَذْلٍ، وَجَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَبْذُلَ لَهُ مَالَهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ جَازَ أَنْ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي بَذَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ، فيقول: كل من صح منه بذلك الْمَالِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ صَحَّ بَذْلُهُ عَلَى الطَّلَاقِ كَالزَّوْجَةِ طَرْدًا، وَالصَّغِيرَةِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ كَالطَّلَاقِ، يَتَنَوَّعُ تَارَةً بِعِوَضٍ، وَتَارَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَبْذُلَ الْأَجْنَبِيُّ مَالًا فِي الْعِتْقِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِهِ شَيْئًا جَازَ أَنْ يَبْذُلَ مَالًا فِي الطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِهِ شَيْئًا.

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مُفَارِقٌ لِلْبَيْعِ فِي أَحْكَامٍ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي أَحْكَامٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ تَمَلُّكُ الْمَبِيعِ، وَالْمَقْصُودَ بِالْخُلْعِ إِزَالَةُ مِلْكِ الزَّوْجِ، فَجَازَ أَنْ يَزُولَ إِلَى غَيْرِ مُتَمَلِّكٍ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُزِيلَهُ بِالطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ إِلَى غَيْرِ مُتَمَلِّكٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِعَدَمِ الْغَرَضِ فِيهِ، فَخَطَأٌ، لِأَنَّ الْغَرَضَ فِيهِ مَوْجُودٌ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَرَاهُمَا الْأَجْنَبِيُّ مُقِيمَيْنِ عَلَى نِكَاحِ شُبْهَةٍ يَؤُولُ إلى مأثم فأحب أن يستنقذهما منهما.

وَالثَّانِي: أَنْ يَرَاهُمَا قَدْ خَرَجَا فِي الزَّوْجِيَّةِ إِلَى أَنْ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مُؤَدٍّ لِلْحَقِّ فِيهَا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لِرَغْبَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي نِكَاحِهَا فَيَسْتَنْزِلَ بِالْخُلْعِ الزَّوْجَ عَنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>