للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ السُّمِّ: وَهُوَ أَنْ لَا يَقْتُلَ فِي الْأَغْلَبِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَقْتُلَ فَهَذَا خَطَأٌ مَحْضٌ، اشْتَرَكَ فِيهِ عَمْدٌ مَحْضٌ، فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنِ الْجَارِحِ فِي النَّفْسِ وَالْجُرْحِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، حَالَّةً مُغَلَّظَةً فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهَا دِيَةُ عَمْدٍ مَحْضٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهَا بِمُشَارَكَةِ الْخَطَأِ الْمَحْضِ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ صَارَ قَتْلًا.

فَإِنْ جُهِلَ حَالُ السُّمِّ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ هُوَ؟ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ أَخَفِّهَا، وَهُوَ هَذَا الْقِسْمُ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ، وَفِي شَكٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي مِنْ فَصْلَيِ الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ الْمَجْرُوحُ جُرْحَهُ فَيَمُوتَ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَاطَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَلَا تَأْثِيرَ لِهَذِهِ الْخِيَاطَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي اللَّحْمِ الْمَيِّتِ لَا تُؤْلِمُ، وَلَا تَسْرِي، فَيَصِيرُ الْجَارِحُ مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ بِسِرَايَةِ جُرْحِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، فَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَجَمِيعُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةٌ حَالَّةٌ فِي مَالِهِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَخِيطَ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَالْخِيَاطَةُ جُرْحٌ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَمْدِ الْمَحْضِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ عَمْدِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ حِفْظَ الْحَيَاةِ فَأَفْضَى بِهِ إِلَى التَّلَفِ؛ فَصَارَ عَمْدًا فِي الْفِعْلِ، خَطَأً فِي القصد.

فإن قيل: فبهذا فَالْجَارِحُ قَدْ صَارَ قَاتِلًا شَرِيكًا لِعَمْدِ الْخَطَأِ، فَسَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ حَالَّةً مُغَلَّظَةً مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ قِيلَ بِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ إنَّ الْخِيَاطَةَ عَمْدٌ مَحْضٌ رُوعِيَ مَنْ تَوَلَّى الْخِيَاطَةَ أَوْ إِبْرَتَهَا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُوحُ تَوَلَّاهَا أَوْ أَمَرَ بِهَا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَبُو الْمَجْرُوحِ تَوَلَّاهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ تَوَلَّاهَا أَوْ أَمَرَ بِهَا.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيٌّ تَوَلَّاهَا أَوْ أَمَرَ بِهَا.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْمَجْرُوحُ، فَفِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْجَارِحِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ، إِذَا اعْتُبِرَ فِي الْقَوَدِ خُرُوجُ النَّفْسِ عَنْ عَمْدٍ مَحْضٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ إِذَا اعْتُبِرَ فِيهِ خُرُوجُ النَّفْسِ عَنْ عَمْدٍ مَضْمُونٍ، لِأَنَّ عَمْدَ الْمَجْرُوحِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ تَوَلَّاهَا مَنْ أَمَرَهُ الْجَارِحُ بِهَا، وَلَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>