للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِ ابْنِي عَلَى نَفْسِي بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. وَقَبِلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي.

وَإِنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ عَلَى ابْنِهِ قَالَ: قَدْ بِعْتُ دَارِي الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا عَلَى ابْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَبِلْتُ ذَلِكَ لِابْنِي فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَتِمُّ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ بَيْعًا فَلَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، مَا لَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ الَّذِي عَقَدَ فيه. فإذا فارقه قام مقام افتراق المتعاقدين بأبدانهما في انبرام البيع.

والوجه الثَّانِي: أَنَّهُ يَعْقِدُ بِنِيَّتِهِ دُونَ لَفْظِهِ. فَيَنْوِي أَنَّهُ قَدْ بَاعَ عَلَى ابْنِهِ كَذَا وَكَذَا وَيَنْوِي أَنَّهُ قَبِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مُخَاطِبًا لِنَفْسِهِ. فَوَجَبَ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي ذَلِكَ عَلَى نِيَّتِهِ.

وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ أكثر أصحابنا ولا يكون مخاطبا لنفسه، لأنا نحصل أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْآخَرَ عَنِ ابْنِهِ، فيصير كأنه مخاطب لابنه.

[(مسألة)]

قال الشافعي: رضي الله عنه " وإن اقْتَضَى الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ إِخْرَاجُهُ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَبْرَأَ مَمَّا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، صَارَ لَازِمًا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ، فَكَانَ لَازِمًا مِنْ جِهَتِهِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيثَاقُ بِهِ إِذَا أَرَادَ فَسْخَهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ، لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ.

فَإِذَا صَحَّ هَذَا وَتَمَّ الرَّهْنُ بِالْقَبْضِ فَقَضَى الرَّاهِنُ بَعْضَ الْحَقِّ كَانَ جَمِيعُ الرَّهْنِ بِحَالِهِ رَهْنًا فِي يَدِ مُرْتَهِنِهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ.

وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الرَّهْنِ وَثِيقَةٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ. أَلَا تَرَى أن ذمة الضامن معقولة بِالْحَقِّ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، فَلَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الضَّامِنِ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ. وَلِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الرَّهْنِ كَانَ جَمِيعُ الرَّهْنِ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ مِنْهُ كَذَلِكَ إِذَا قَبَضَ بَعْضَ الْحَقِّ كَانَ جَمِيعُ الرَّهْنِ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ مِنْهُ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: قَدْ رَهَنْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّنِي كُلَّمَا قَضَيْتُكَ مِنْهَا مِائَةً خَرَجَ عَشَرَةٌ مِنَ الرَّهْنِ، كَانَ الرَّهْنُ فَاسِدًا لِاشْتِرَاطِهِ مَا يُنَافِيهِ فَلَوْ طَالَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ، وَسَأَلَ فَكَاكَ الرَّهْنِ مِنْ يَدِهِ، فَقَالَ الرَّاهِنُ: لَا أَدْفَعُ الْحَقَّ إِلَّا بَعْدَ اسْتِرْجَاعِ الرَّهْنِ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا أَرُدُّ الرَّهْنَ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْحَقِّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَفْعُ الْحَقِّ إِلَّا بَعْدَ إِحْضَارِ الرَّهْنِ. فَإِذَا حَضَرَ لَمْ يَلْزَمِ الْمُرْتَهِنَ دَفْعُهُ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْحَقِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>