بَيْضَةٍ مِنْهُ مِنْ طَعَامٍ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا، فَأَمَّا الْجُنْدُبُ وَالْكَدْمُ فَهُمَا وَإِنْ كَانَا كَالْجَرَادِ فَلَيْسَا مَأْكُولَيْنِ، وَلَا شَيْءَ فِيهِمَا، وَيُكْرَهُ قَتْلُهُمَا؛ لجواز أن يكون مَأْكُولَيْنِ.
فَصْلٌ
: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَإِذَا كَانَ الْمُحْرِمُ عَلَى بَعِيرِهِ أَوْ يَقُودُهُ أَوْ يَسُوقُهُ غَرِمَ مَا أَصَابَهُ بِعِيرُهُ مِنَ الْجَرَادِ، فَإِنْ كَانَ بَعِيرُهُ مُنْفَلِتًا لَمْ يُغَرَّمْ مَا أَصَابَ بِعِيرُهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَوْ مَعَهُ نُسِبَتْ إِلَيْهِ أَفْعَالُهُ، وإذا فلت مِنْهُ لَمْ يُنْسَبْ أَفْعَالُهُ إِلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الْجَرَادُ فِي طَرِيقِهِ مُفْتَرِشًا لَا يَجِدُ مَسْلَكًا إِلَّا عَلَيْهِ، فَوَطِئَهُ بِقَدَمِهِ أَوْ سَارَ عَلَيْهِ بعيره، فَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ، فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ لِقَتْلِهِ، فَلَمْ يُضْمَنْ، كَالصَّيْدِ إِذَا صَالَ عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ فَهُوَ لِمَعْنًى فِيهِ، لَا فِي الْجَرَادِ، فَصَارَ كَاضْطِرَارِهِ إِلَى قَتْلِ الصَّيْدِ لِأَكْلِهِ، والله أعلم.
[مسألة]
: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَمَا كَانَ مِنْ بَيْضِ طَيْرٍ يُؤْكَلُ فَفِي كُلِّ بيضةٍ قِيمَتُهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا فرخٌ فَقِيمَتُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْضَ ضَرْبَانِ: مَأْكُولٌ وَغَيْرُ مَأْكُولٍ.
فَغَيْرُ الْمَأْكُولِ: لَا شَيْءَ فِيهِ، كَبَيْضِ الرَّخَمِ وَالْغُرَابِ وَالنَّسْرِ وَالْبَازِيِّ.
وَأَمَّا الْمَأْكُولُ: فَهُوَ صَيْدٌ يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَرَمُ وَالْإِحْرَامُ، وَيُضْمَنُ بِالْجَزَاءِ.
وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: الْبَيْضُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْجَزَاءِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا، قَوْله تَعَالَى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) {المائدة: ٩٤) قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْله تعالى: {تَنَالُهُ أيْدِيكُمْ} : الْبَيْضُ.
وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ قِيمَتُهَا "؛ وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى: أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي بَيْضِ الصَّيْدِ الْجَزَاءَ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْجَزَاءِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ بَائِضٍ كَانَ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ، فَبَيْضُهُ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ، كَالْبَيْضِ الْمَمْلُوكِ طَرْدًا، وَكَبَيْضِ الْحُوتِ عَكْسًا؛ وَلِأَنَّ الْمُزَنِيَّ قَدْ وَافَقَنَا فِي ضَمَانِ رِيشِ الطَّائِرِ إِذَا نُتِفَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مِنْهُ، فَضَمَانُ بَيْضِهِ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرِّيشَ لَا يَكُونُ مِنْهُ صَيْدٌ، وَالْبَيْضُ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ صَيْدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْضَ الصَّيْدِ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ، فَالْبَيْضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَيْضًا صَحِيحًا لَا فَرْخَ فِيهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي