وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا لَمْ تُطَلَّقْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ رُوعِيَ حُصُولُهَا بِمَكَّةَ دُونَهُ، لِأَنَّهُ هُوَ الْأَظْهَرُ مِنَ الْكَلَامِ، فَإِذَا حَصَلَتْ بِمَكَّةَ طُلِّقَتْ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَقَالَ الْبُوَيْطِيُّ: تُطَلَّقُ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمَكَّةَ، لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بِغَيْرِ مَكَّةَ تَكُونُ مُطَلَّقَةً بِمَكَّةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ تَنْفَصْل فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ. وَيُعَبَّرُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَإِنَّهَا لَا تُطَلَّقُ قَبْلَ مَجِيءِ غَدٍ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْيَوْمِ مُطَلَّقَةً فِي غَدٍ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً، نُظِرَ فَإِنْ قَالَ: مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً بِالنَّصْبِ كَانَ الْمَرَضُ وَالصَّلَاةُ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَلَا تُطَلَّقُ قَبْلَهُ، وَإِنْ قَالَ: مَرِيضَةٌ أَوْ مُصَلِّيَةٌ بِالرَّفْعِ كَانَ جَزَاءً، فَتُطَلَّقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً وَلَا مُصَلِّيَةً، فَإِنْ أَدْغَمَ اللَّفْظَ وَأَلْغَى الْإِعْرَابَ فَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ نَصْبَ الشَّرْطِ، وَلَا رَفْعَ الْخَبَرِ سُئِلَ عَنْ مُرَادِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ حُمِلَ عَلَى الْخَبَرِ دُونَ الشَّرْطِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالْقَصْدِ فَإِنْ أَعْرَبَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْرَابِ وَلَا عَرَفَ مَعْنَى الْمُعْرَبِ، بِالنَّصْبِ وَلَا بِالرَّفْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ كَالْعَارِفِ بِالْإِعْرَابِ، وَالْقَاصِدِ لَهُ اعْتِبَارًا لَهُ بِحُكْمِ اللَّفْظِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُلْغَى حُكْمُ الْإِعْرَابِ، وَيُوقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ.
وَإِذَا قَالَ لَهَا: إِنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَتْ لَهُ: إِنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ انْحَلَّتْ يَمِينُ الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدِئًا لَهَا بِالْكَلَامِ، وَكَانَتْ يَمِينُهَا بِالْعِتْقِ بَاقِيَةً، فَإِنْ بَدَأَهَا الزَّوْجُ بِالْكَلَامِ انْحَلَّتْ يَمِينُهَا، وَإِنْ بَدَأَتْهُ بِالْكَلَامِ حَنِثَتْ بِالْعِتْقِ وَلَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ كَلَّمْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَتْ لَهُ، إِنْ كَلَّمْتَنِي فَعَبْدِي حُرٌّ، طُلِّقَتْ، لِأَنَّهَا قد كلمته ولم يعتق عبدها أن يكلمها.
وَإِذَا قَالَ لَهَا: إِنْ أَمَرْتُكِ بِأَمْرٍ فَخَالَفْتِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَا تُكَلِّمِي أَبَاكِ وَلَا أَخَاكِ، فَكَلَّمَتْهُمَا لَمْ تُطَلَّقْ، لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ وَلَمْ تُخَالِفْ أَمْرَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ نَهَيْتِنِي عَنْ مَنْفَعَةٍ أَنْوِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَانَ لَهَا فِي يَدِهِ مَالٌ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهَا لِيَنْفَعَهُمَا فَقَالَتْ: لَا تُعْطِيهِمَا مِنْ مَالِي شَيْئًا لَمْ تُطَلَّقْ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَعَهُمَا بِمَالِهَا، إِذْ لَيْسَ يَجُوزُ لَهُمَا الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَهْيًا عَنْ مَنْفَعَتِهِمَا.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ ضَرَبْتُ زَيْدًا، فَضَرَبَهُ مَيِّتًا لَمْ تُطَلَّقْ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ حُكْمُ ضَرْبِهِ بِالْمَوْتِ كَمَا سَقَطَ حُكْمُ كَلَامِهِ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ جُنُونِهِ أو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute