وَرَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْضِ عَنْهَا وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصُومَ فَسَأَلَ أَخُوهَا، رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَمَرَهُ بِالصِّيَامِ عَنْهَا، قَالَ: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَدْخُلُهَا الْجُبْرَانُ بِالْمَالِ فَجَازَ أَنْ تَدْخُلَهَا النِّيَابَةُ كَالْحَجِّ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا رِوَايَةُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ فَلْيُطْعِمْ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا فَأَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَأَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ، وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِمَرَضٍ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّيْنِ يَعْنِي مُدًّا لِلْقَضَاءِ وَمُدًّا لِلتَّأْخِيرِ، لِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ.
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أُطْعِمَ عَنْهُ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَعَ الْعَجْزِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَدْخُلَهَا النِّيَابَةُ بَعْدَ الْوَفَاةِ، أَصْلُهُ الصَّلَاةُ، وَعَكْسُهُ الْحَجُّ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ إِذَا فَاتَ انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى الْمَالِ لَا إِلَى النِّيَابَةِ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ فَأَمَّا مَا رَوَوْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَالْمُرَادُ بِهَا فِعْلُ مَا يَنُوبُ عَنِ الصِّيَامِ مِنَ الْإِطْعَامِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَجِّ، فَالْمَعْنَى فِيهِ جَوَازُ النِّيَابَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الصَّوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إِمْكَانِ الصَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ لِمِسْكِينٍ، فَلَوْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَصُمْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثَانٍ ثُمَّ مَاتَ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ مُدٌّ، بَدَلٌ عَنِ الصِّيَامِ، وَمُدٌّ بَدَلٌ عَنِ التَّأْخِيرِ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ عَلَيْهِ مُدٌّ وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْفَوَاتَ يُضْمَنُ بِالْمُدِّ الْوَاحِدِ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَهَذَا غَلَطٌ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لمرضٍ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يومٍ مدين.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ قَضَى مُتَفَرِّقًا أَجْزَأَهُ وَمُتَتَابِعًا أَحَبُّ إِلَيَّ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute