للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْمٌ: إِنَّ حَدَّ الْعَقِيقِ مَا بَيْنَ بَرِيدِ النقرة إلى العرمة وَعِرْقٍ هُوَ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْعَقِيقِ، وَهَذِهِ الْقَرْيَةُ الْمُحْدَثَةُ بِهَا، أَحْدَثَهَا طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ الرحمن بن أبي بكر الصديق فِي عَهْدِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، حِينَ أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا، وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْعَقِيقِ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَرْوِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَأَى رَجُلًا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْبُيُوتِ، وَقَطَعَ بِهِ الْوَادِيَ وَأَتَى بِهِ الْمَقَابِرَ، وَقَالَ: هَذِهِ ذَاتُ عِرْقٍ الْأُولَى، فَأَحْرِمْ مِنْهَا يَا ابْنَ أَخِي وَرُوِيَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَنِي إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَالَ: مِنْ ها هنا فَأَحْرِمُ. فَلِذَلِكَ مَا اسْتَحَبَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْعَقِيقِ لِيَكُونَ مُحْتَاطًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ أَثْبَتُ فِي الرِّوَايَةِ مِنَ الْعَقِيقِ مَعَ مَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنَ الْعَمَلِ الْجَارِي فِي السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ.

فَصْلٌ

: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ الْمِيقَاتُ فِي مَوْضِعٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَخَرِبَ وَأَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَهُ قَرْيَةً، فَالْمِيقَاتُ مِنَ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ الَّذِي خَرِبَ، لَا الْمَوْضِعِ الْمُحْدَثِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْمِيقَاتُ قَرْيَةً أَهَلَّ مِنْ أَقْصَاهُمَا مِمَّا يَلِي بَلْدَهِ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْحَرَمِ، وَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يُهِلَّ مِنَ الْقَرْيَةِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بُيُوتِهَا، أَوْ مِنَ الْوَادِي أَوْ مِنَ الْجَبَلِ إِلَّا مُحْرِمًا، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَقْصَاهَا لِيَكُونَ فِي جَمِيعِ مِيقَاتِهِ مُحْرِمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَدْنَاهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ جَمِيعِ الْمِيقَاتِ وَاحِدٌ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ تَحْدِيدُ الْمَوَاقِيتِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَلَا يَجُوزُ مُجَاوَزَتُهَا بِالْإِحْرَامِ، وَيَجُوزُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهَا بِالْإِحْرَامِ، وَفِي الْأُولَى قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ فِي السَّيْرِ، فَأَمَّا قَبْلَ أَخْذِهِ فَلَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ) {البقرة: ١٩٦) وَقَدْ قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ، وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: مَنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى غُفِرَ لَهُ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَحْرَمَ مِنَ الشَّامِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>