للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: مَا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرْنَا اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِالْفُرُوجِ فَقَالَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَوَقَدْ فَعَلُوا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إِلَى الْقِبْلَةِ ".

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ فَهُوَ وَأَنَّ الصَّحَارِيَ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ مُصَلًّى فِيهَا فَيَتَأَذَّى بِكَشْفِ عَوْرَتِهِ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ إِنِ اسْتَقْبَلَهَا أَبْدَا إِلَيْهِ دُبُرَهُ وَإِنِ اسْتَدْبَرَهَا أَبْدَا إِلَيْهِ قُبُلَهُ فَمُنِعَ مِنِ اسْتِقْبَالِهَا واستدبارها لأن لا يقطع المصلين إِلَيْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الْبُنْيَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِيهَا مُسْتَتِرٌ بِالْجِدَارِ مَعَ أَنَّ تَجَنُّبَ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي الْمَنَازِلِ مَعَ ضِيقِهَا شَاقٌّ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ أَجَازَ الِاسْتِدْبَارَ فِي الصَّحْرَاءِ هُوَ أَنَّهُ أَحَدُ الْفَرْجَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ مُوَاجَهَةُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَالْقُبُلِ وَعَلَى مَنْ حَرَّمَ الِاسْتِقْبَالَ فِي الْمَنَازِلِ أَنَّهُ أَحَدُ الْفَرْجَيْنِ فَلَمْ يَحْرُمْ فِي الْبُنْيَانِ مُوَاجَهَةُ الْقِبْلَةِ كَالدُّبُرِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى عُمُومِ تَحْرِيمِهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَالٌّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ، لِأَنَّهُ قَالَ: " فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ وَالذَّهَابُ إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى الصَّحَارِي، دُونَ المنازل فيقال دخل وَلِأَنَّهُ قَالَ " الْغَائِطَ " وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الصَّحَارِي دُونَ الْمَنَازِلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُسْتَقِلُّ بَيْنَ عَالِيَيْنِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَإِنْ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِمَتْنِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا وَرَدَ فِي غَيْرِهِ مِنَ التَّخْصِيصِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِفِعْلِ أَبِي أَيُّوبَ فَذَلِكَ اجْتِهَادٌ مِنْهُ فَلَمْ يَلْزَمْ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْمَعَانِي فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ جَوَابٌ عَنْهَا وَانْفِصَالٌ مِنْهَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْآخَرُونَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَنَازِلِ، وَالْبُنْيَانِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمُشَاهَدَةِ لَهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ الْآخَرِينَ بِحَدِيثَيْ سَلْمَانَ وَمَعْقِلٍ أَنَّ مَنْصُوصَهُمَا الِاسْتِقْبَالُ فَصَحِيحٌ لَكِنْ أَرَادَ بِالْفَرْجَيْنِ مَعًا قُبُلًا وَدُبُرًا.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ تَحْرِيمِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الصَّحَارِي دُونَ الْمَنَازِلِ فَجَلَسَ فِي الصَّحْرَاءِ إِلَى مَا يَسْتُرُهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ دَابَّةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>