وَإِنْ مُلِّكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ، لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْوَطْءِ أَنْ لَا يَمْلِكَ إِبَاحَةَ الْفَرْجِ الْمَمْلُوكِ وَالْفَرْجُ لَا يَحِلُّ بِالْإِبَاحَةِ، فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُكَاتَبُ فَأَحْبَلَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ اسْتَأْذَنَ سَيِّدَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ، لِأَنَّهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مَالِكٌ، وَعَلَى الثَّانِي فِي شُبْهَةِ مِلْكٍ، وَلَا حَدَّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَهْرَهَا مِنْ كَسْبِهِ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ وَلَدَهُ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ لَا يُعْتَقُ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ وَلَا يَجُوزُ له بيعه، لأن الولد لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ وَلَدِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ نَفْسِهِ، فَإِنْ خَافَ الْعَجْزَ إِنْ لَمْ يَبِعْهُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ بَيْعُهُ، لِأَنَّ عَجْزَهُ مُفْضٍ إِلَى رِقِّهَا فَكَانَ بَيْعُهُ فِي عِتْقِ الْأَبِ أَوْلَى مِنِ اسْتِرْقَاقِهِ مَعَ الْأَبِ. وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ إِنْ خَافَ الْعَجْزَ، لِأَنَّ الْعِتْقَ بِبَيْعِهِ بِظُنُونٍ لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ ثَمَنُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ فِي الْكِتَابَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ بِهَذَا التَّجْوِيزِ مَا اسْتَحَقَّهُ عَلَى أَبِيهِ، وَقَدْ تَقَابَلَ هَذَا التَّجْوِيزَ مِثْلُهُ مِنْ أَنْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكْتَسِبَ الْمُكَاتِبُ مَالًا قَبْلَ تَعَجُّزِهِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ لَفْظَةٍ فَيُعْتَقَانِ مَعًا فَلَا يُرْفَعُ هَذَا التَّجْوِيزُ بِمِثْلِهِ، وَإِذَا تَقَابَلَ التَّجْوِيزُ إِنْ سَقَطَا، وَكَانَ الْأَصْلُ حَظْرَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا أُمُّهُ فَهَلْ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَكَاتِبِ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَكَاتِبِ، وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا، لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِمَمْلُوكٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَةُ حُرِيَّةِ مُشْتَرًى إِلَيْهَا، وَلَيْسَ مَا يُرْجَى مِنْ حُدُوثِ عِتْقِهِ بِمُوجِبٍ لِتَحْرِيمِ بَيْعِهَا كَمَا لَوْ أَوْلَدَهَا بِعَقْدِ نِكَاحٍ لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ إِنْ مَلَكَهَا، وَلَوِ اشْتَرَاهُمَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ عُتِقَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يُوجِبْ حُدُوثُ عِتْقِهِ تَحْرِيمَ بَيْعِهَا، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا سَوَاءٌ أَدَّى فَعَتَقَ أَوْ عَجَزَ فَرَقَّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ إِنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَكَاتِبِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ بَيْعِ وَلَدِهَا انْتَشَرَتْ حُرْمَةُ هَذَا الْمَنْعِ إِلَيْهَا فَصَارَ مَمْنُوعًا مِنْ بَيْعِهَا، فَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ وَلَدِهَا، وَبَيْعِ أَمَتِهِ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ مَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ عُتِقَ عَلَيْهِ وَلَدُهُ عِنْدَ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ، وَاسْتَقَرَّ لِأَمَتِهِ حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ فَحَرُمَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا عَلَى الْأَبَدِ، وَعَتَقَتْ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ صَارَ الْوَلَدُ وَأَمَتُهُ مَمْلُوكَيْنِ لِلسَّيِّدِ مَعَ الْأَبِ، وَجَازَ لَهُ بَيْعُهُمْ إِذَا شَاءَ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتِبُ زَوْجَتَهُ صَحَّ الشِّرَاءُ، وَبَطَلَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الشراء، لأنه قبل الشراء يطأها بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْمُكَاتِبُ لَا يُمْنَعُ مِنَ الْوَطْءِ بِالزَّوْجِيَّةِ وبعد الشراء يطأها بِالْمِلْكِ، وَالْمُكَاتِبُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ، فَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ كَانَ عَلَى مَا مَضَى، وبالله التوفيق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute