للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَصَدَ بِذِكْرِهَا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَا كَانَ أَصْلُهُ الْكَيْلَ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ وَزْنًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إِلَّا وَزْنًا والفرق إذا دخله الربا إلا كيلا أو ما أصله الوزن جاز السلم فيه كيلا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إِلَّا وزنا، والفرق بَيْنَ الرِّبَا وَالسَّلَمِ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي السَّلَمِ مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ، وَقَدْ يَصِيرُ الْمِقْدَارُ مَعْلُومًا بِكَيْلِ الموزون ومن وزن المكيل.

وأصل الرِّبَا الْمُمَاثَلَةُ، وَفِي التَّخْيِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا حُصُولُ التَّفَاضُلِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَمَاثَلَانِ فِي الْكَيْلِ وَيَتَفَاضَلَانِ فِي الْوَزْنِ، أَوْ يَتَمَاثَلَانِ فِي الْوَزْنِ وَيَتَفَاضَلَانِ فِي الْكَيْلِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنِ اعْتِبَارِ أَصْلٍ فِيهِ تكون المماثلة له.

[مسألة:]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، فَإِنْ كَانَ نُحَاسًا أَوْ تِبْرًا أَوْ عَرَضًا غَيْرَ مَأْكُولٍ، وَلَا مَشْرُوبٍ، وَلَا ذِي رُوحٍ أَجْبَرْتَهُ عَلَى أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا فَقَدْ يُرِيدُ أَكْلَهُ، وَشُرْبَهُ جَدِيدًا، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَلَا غِنَى بِهِ عَنِ الْعَلْفِ، أَوِ الرَّعْيِ، فَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى أَخْذِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ مُؤْنَةٌ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْتِهِ فَعَلَى هَذَا الْبَابِ وَقِيَاسِهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ مَوْصُوفٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْرُوفٍ فَجَاءَهُ بِالسَّلَمِ عَلَى صِفَتِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ، فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: ضَمَانُ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: مَؤُونَةُ ضِرْسِهِ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَيَوَانٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ طَعَامًا رَطْبًا إِنْ تُرِكَ إِلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَسَدَ أَوْ عَتَقَ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ أَيْضًا لِمَا فِي تَرْكِهِ إِلَى حُلُولِ الْأَجَلِ مِنْ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ، وَحُدُوثِ التَّغْيِيرِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: ألا يكون طعاما رطبا فهو عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَتَاعًا كَافِيًا لِإِحْرَازِهِ، وَمَؤُونَتِهِ وَلِإِحْرَازِهَا، وَحِفْظِهَا قَدْرُ مَؤُونَتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ مَؤُونَتِهِ إِلَى حُلُولِ أَجَلِهِ يَضُرُّ بِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَيْسَ لِإِحْرَازِهِ مَؤُونَةٌ، وَلَا يَحْدُثُ بِتَرْكِهِ نَقْصٌ كَالْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ سُوقٌ مُنْتَظَرَةً وَزِيَادَةُ سِعْرٍ مُتَوَقَّعَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَعُذْرٌ فِي تَأْخِيرِ قَبْضِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ أَخْذِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلَمِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِالْمُسَلِّمِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ الْقَبْضِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى تَعْجِيلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>