الْمَالِ، فَوَجَبَ إِذَا كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ لِئَامَ السِّنِّ وَدُونَ الْجِذَاعِ وَالثَّنَايَا أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهَا رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ.
وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) {التوبة: ١٠٣) فَلَمْ يَجُزْ لِحَقِّ هَذَا الظَّاهِرِ أَنْ يُكَلَّفُوا الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمُعَاذٍ: " إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ " فَلَمَّا نَهَاهُ عَنْ أَخْذِ الْكَرِيمِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي فِيهِ كِرَامٌ فَلَأَنْ لَا يَأْخُذَ الْكَرِيمَ مِنَ الْمَالِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كِرَامٌ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَوَجَبَ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاتُهُ مِنْ عَيْنِهِ، كَالتَّمْرِ الرَّدِيءِ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ الْجَيِّدِ مِنَ التَّمْرِ الرَّدِيءِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَيِّدًا لَزِمَهُ إِخْرَاجُ الْجَيِّدِ وَلَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَوَاشِيَ لَوْ كَانَتْ كِرَامَ السِّنِّ لَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ لَئِيمًا قِيلَ: هذا حجتنا لأنه لما جاز أخذ الرديء مِنَ الْمَالِ الَّذِي لَا يُؤْخَذُ مِنْ جَيِّدِهِ الدُّونُ، فَلَأَنْ يَجُوزَ أَخْذُ الدُّونِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يَجُوزُ أَخْذُ الدُّونِ مِنْ جَيِّدِهِ أَوْلَى، فأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " حَقُّنَا فِي الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ " فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَالِ الَّذِي فِيهِ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ وَلَا تَأْخُذْهَا " فَقَدْ قَالَ " وَلَا تَأْخُذِ الْأَكُولَةَ " ثم قال " وذلك عدل بين عدا الْمَالِ وَخِيَارِهِ " فَأَخْبَرَ أَنَّ الْفَرْضَ الْمَطْلُوبَ هُوَ وَسَطُ الْمَالِ، وَلَيْسَ أَخْذُ الْكِبَارِ مِنَ الصِّغَارِ وَسَطًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ فَغَيْرُ صحيح، لأنه قد يرتفق برب الْمَالِ بِمَا لَا يَرْتَفِقُ الْمَسَاكِينُ بِمِثْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُ حَوَامِلَ لَمْ يُكَلَّفِ الزَّكَاةَ مِنْهَا رِفْقًا بِهِ، وَلَيْسَ يَرْتَفِقُ المساكين بِمِثْلِهِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ أَخْذِ السَّخْلَةِ مِنَ السِّخَالِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وهو أَرْبَعُونَ جَدْيًا أَوْ بَهْمَةً، أَوْ بَيْنَ جَدْيٍ وَبَهْمَةٍ أَوْ كَانَ هَذَا فِي إِبِلٍ، فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ فِصَالٌ، أَوْ فِي بَقَرٍ وَهِيَ عُجُولٌ، أَخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا، فهذا قول الشافعي ونصه، ولم يختلف أصحابه أن محل الْغَنَمِ يُؤْخَذُ مِنْهَا سَخْلَةٌ، وَلَمْ يُكَلَّفْ عَنْهَا كَبِيرَةً، فَلَوْ كَانَ مَالُهُ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً مِنْ نِتَاجِ يَوْمِهَا وَحَالَ حَوْلُهَا أُخِذَتْ زَكَاتُهَا سَخْلَةً مِنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ أُخِذَتْ زَكَاتُهَا سَخْلَتَانِ مِنْهَا، فَأَمَّا الْإِبِلُ إِذَا كَانَتْ فصالاً والبقر إذا كانت عجولاً، ففيه لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ أَنَّهَا كَالْغَنَمِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَصِيلًا فَصِيلٌ، وَمِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا فَصِيلٌ، وَمِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ فَصِيلًا فَصِيلٌ، وَمِنْ أَحَدٍ وَسِتِّينَ فَصِيلًا فَصِيلٌ، وَمِنْ سِتٍّ وَسَبْعِينَ فَصِيلًا فَصِيلَانِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ثَلَاثِينَ عِجْلًا عِجْلٌ، وَمِنْ أَرْبَعِينَ عِجْلًا عِجْلٌ وَمِنْ سِتِّينَ عِجْلًا عِجْلَانِ وَمِنْ سَبْعِينَ عِجْلًا عِجْلَانِ ثُمَّ هَكَذَا فِيمَا زَادَ وَنَقَصَ قِيَاسًا عَلَى الْغَنَمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute