للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِيَةٍ: كَمَنْ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَتَعَثَّرَ بِحَجَرٍ. أَوْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ جِدَارٌ فَالصِّفَةُ قَدْ بَرَأَتْ مِنَ الدَّعْوَى وَسَقَطَتِ الْقَسَامَةُ فِيهَا وَبَرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهَا.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَصِفَهُ بِعَمْدِ الْخَطَأِ كَرَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا يَجُوزُ أَنْ تَقْتُلَ وَيَجُوزَ أَنْ لَا تَقْتُلَ فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ عَامِدٌ فِي الْفِعْلِ خَاطِئٌ فِي النَّفْسِ.

فَلَهُ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ الدَّعْوَى، وَيُحْكَمُ لَهُ بِعَمْدِ الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ الْمَحْضِ وَلَا يَكُونُ مَا فِي الصِّفَةِ مِنْ مُخَالَفَةِ الدَّعْوَى مَانِعًا مِنَ الْقَسَامَةِ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالصِّفَةِ لِاشْتِبَاهِ الْحُكْمِ دُونَ الْفِعْلِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَصِفَهُ بِالْخَطَأِ الْمَحْضِ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ الدَّعْوَى بِالصِّفَةِ وَسَقَطَتِ الْقَسَامَةُ فِي الْعَمْدِ، وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِهَا فِي الْخَطَأِ فَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ أَنَّهُ يُقْسِمُ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ طَرِيقَةُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِنَّ اخْتِلَافَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّبِيعُ إِنَّهُ يُقْسِمُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لِأَنَّ صِفَتَهُ أَقَلُّ مِنْ دَعْوَاهُ فَجَازَ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْأَخَفِّ بِضِدِّ دَعْوَى الْأَغْلَظِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ إِنَّهُ لَا يُقْسِمُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ فِي مَالِهِ وَدِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَكَانَ فِي الدَّعْوَى أَبْرَأَ لِلْعَاقِلَةِ وَفِي الصِّفَةِ أَبْرَأَ لِلْجَانِي فَسَقَطَتِ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِمَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ طَرِيقَةُ الْبَصْرِيِّينَ إِنَّهُ لَيْسَ اخْتِلَافُ النَّقْلِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَنَقْلُ الْمُزَنِيُّ إِنَّهُ لَا يُقْسِمُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إِقْسَامٌ عَلَى الدَّعْوَى، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا إِلَى الصِّفَةِ فَلَا يُقْسِمُ عَلَى الدَّعْوَى لِإِبْطَالِهَا بِالصِّفَةِ وَنَقْلُ الرَّبِيعُ إِنَّهُ يُقْسِمُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الدَّعْوَى إِلَى الصِّفَةِ فَيُقْسِمُ عَلَى الصِّفَةِ لِرُجُوعِهِ بِهَا عَنِ الدَّعْوَى الَّتِي هِيَ أَغْلَظُ مِنَ الصفة، والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَحْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ لَهُ عَمْدًا وَلَا خَطَأً أَعَادَ عليه عدد الْأَيْمَانِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا عَجَّلَ الْحَاكِمُ فَأَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي عَنْ شَرْطِ الدَّعْوَى فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي اسْتِحْلَافِهِ، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَكْمُلْ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحُكْمِ بِمَا أَحْلَفَ عَلَيْهِ لِلْجَهَالَةِ بِهِ، فَتَكُونُ الْيَمِينُ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>