للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أخيه

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " أخبرنا مالك بن أنسٍ عَنْ نافعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ " وقال عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت قيس " إذا حللت فآذنيني " قالت فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهمٍ خطباني فقال " أَمَّا مُعَاوِيَةُ فصعلوكُ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جهمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ انكحي أسامة " فدلت خطبته على خطبتهما أنها خلاف الذي نهى عنه أن يخطب على خطبة أخيه إذا كانت قد أذنت فيه فكان هذا فساداً عليه وفي الفساد ما يشبه الإضرار والله أعلم، وفاطمة لم تكن أخبرته أنها أذنت في أحدهما ".

قال الماوردي: وهذا صحيح.

وقد رَوَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ " وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ " وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَلَيْسَ النَّهْيُ فِيهِمَا مَحْمُولًا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ تغيير حال المخطوبة، فإذا خطب الرجل نكاح امْرَأَة لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ.

القسم الأول: إما أن يأذن له في نكاحها فتحرم بَعْدَ إِذْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ أَنْ يخطبها لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عنه حفظاً للألفة، ومنعاً من الفساد وحسماً للتقاطع، وسواء كان الأول كفءً أو غير كفٍ.

وقال ابن الْمَاجِشُونَ: إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ غَيْرَ كفءٍ لَمْ تحرم عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَكْفَاءِ خِطْبَتُهَا بِنَاءً عَلَى أصله في أن نكاح غير الكفؤ بَاطِلٌ، وَإِنْ تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْأَوَّلُ عن خطبته أو رجع الْمَرْأَةُ عَنْ إِجَابَتِه ارْتَفَعَ حَكَمُ الْإِذْنِ، وَعَادَتْ إِلَى الْحَالِ الْأُولَى فِي إِبَاحَةِ خِطْبَتِهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ ".

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَرُدَّ خَاطِبَهَا، وَتَمْنَعَ مِنْ نِكَاحِهِ فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ أَنْ يَخْطُبَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>