للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَتُوُفِّيَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الْأَوَّلِ فَدَخَلَ جَيْشُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ أَمَرَ جَيْشَ أُسَامَةَ بِالْخُرُوجِ، وَأَمَرَ أُسَامَةَ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكَلَّمَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي حَبْسِهِمْ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ فَامْتَنَعَ وَقَالَ: لَا أَسْتَوْقِفُ جَيْشًا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَسِيرِ، وَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ أُسَامَةَ أَنْ يَأْذَنَ لِعُمَرَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُ فَفَعَلَ. وَسَارَ بِهِمْ أُسَامَةُ فِي هِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ إِلَى أَهْلِ أُبْنَى فِي عِشْرِينَ يَوْمًا فَشَنَّ عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ وَقَتَلَ مَنْ أَشْرَفَ مِنْهُمْ، وَقَتَلَ قَاتِلَ أَبِيهِ، وَسَبَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَحَرَّقَ عَلَيْهِمْ مَنَازِلَهُمْ، وَأَقَامَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَعَادَ مَوْفُورًا، وَمَا أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُسْتَقْبِلِينَ لهم سرورا بسلامتهم

فصل: [وَفَاةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -]

فِي مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَنْذَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَوْتِهِ حِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله والفتح} فَقَالَ: نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي فَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَقَالَ فِيهَا مَا قَالَ، وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَيَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ مَوْتِهِ عَرَضَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: لَا أَظُنُّ إِلَّا قَدْ حَضَرَ، فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ وَالْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ فَكَانَ هَذَا نَذِيرًا بِمَوْتِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْبَقِيعِ لِيَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِهِ وَلِلشُّهَدَاءِ، وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ لِيَكُونَ تَوْدِيعًا لِلْأَمْوَاتِ قَبْلَ الْأَحْيَاءِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، أَتَانَا وَإِيَّاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، وَإِنَّا بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَا بَعْدَهُمْ، فَكَانَ هَذَا نذيرا آخر بموته

ثُمَّ بَدَأَ بِهِ مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ، وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ فَحُمَّ وصدع

قال أبو سعيد الخضري: وَكَانَ عَلَيْهِ صَالِبُ الْحُمَّى، مَا تَكَادُ تَقَرُّ يَدُ أَحَدِنَا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّتِهَا، فَجَعَلْنَا نُسَبِّحُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ أَحَدٌ أَشَدَّ بَلَاءً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا يشتد علينا البخلاء كَذَلِكَ يُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ "

وَرَوَى سَعْدٌ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً قَالَ: " النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ " وَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ صَاحَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ: مَهْ، إِنَّهُ لَا يَصِيحُ إِلَّا كَافِرٌ، وَكَانَ إِذَا عَادَ مَرِيضًا أَوْ مرض هو مسح جيده عَلَى وَجْهِهِ قَالَ: " أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ وشفاء لَا يُغَادِرُ سَقَمًا " فَلَمَّا كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ تَسَانَدَ إِلَى عَائِشَةَ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ وَجَعَلَتْ تَمْسَحُهَا عَلَى وَجْهِهِ، وَتَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْهَا وَقَالَ: " ارْفَعِي عَنِّي فَإِنَهَا إِنَّمَا كَانَتْ تَنْفَعُ فِي الْمِرَّةِ أَسْأَلُ اللَّهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>