[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِنْ أَوْجَبَهُ نَاقِصًا ذَبَحَهُ وَلَمْ يُجْزِهِ ".
قَالَ الماوردي: وهذا كما قال، إذ ابْتَدَأَ إِيجَابَ أُضْحِيَّةٍ نَاقِصَةٍ وَجَبَتْ وَلَمْ تَكُنْ أُضْحِيَّةً، لِأَنَّ نَقْصَهَا يَمْنَعُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ وَإِيجَابَهَا يُوجِبُ ذَبْحَهَا وَأَنْ يَسْلُكَ بِهَا مَسْلَكَ الْأُضْحِيَّةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِيجَابِ فَلَمْ تَعُدْ إِلَيْهِ.
وَالثَّانِي: إنَّهُ بِمَثَابَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَعِيبًا عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا وَلَمْ يَعُدْ إِلَى رِقِّهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَلَوْ أَوْجَبَهَا نَاقِصَةً فَلَمْ يَذْبَحْهَا حَتَّى زَالَ نَقْصُهَا فَفِي كَوْنِهَا أُضْحِيَّةً قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ وَبَعْضِ الْقَدِيمِ - لَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً اعْتِبَارًا بِحَالِ إِيجَابِهَا، وَإِنْ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَبْدًا مَعِيبًا فَزَالَ عَيْبُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ عَادَ إِلَى سَلَامَتِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - فِي الْقَدِيمِ: إنَّهَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً مُجْزِيَةً، لِأَنَّهَا مَا وَصَلَتْ إِلَى الْمَسَاكِينِ إِلَّا سَلِيمَةً، وَلَوْ أَوْجَبَهَا وَهِيَ مَعِيبَةٌ عَنْ أُضْحِيَّةٍ فِي الذِّمَّةِ بَطَلَ إِيجَابُهَا لِعَدَمِ إِجْزَائِهَا وَلَمْ يَلْزَمْ ذَبْحُهَا لِبُطْلَانِ إِيجَابِهَا، فَلَوْ عَادَتْ إِلَى حَالِ السَّلَامَةِ لَمْ يَصِحَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِيجَابِهَا حَتَّى يَسْتَأْنِفَهُ بعد السلامة. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ ضَلَّتْ بَعْدَ مَا أَوْجَبَهَا فَلَا بَدَلَ وَلَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ يُوجِبُهُ صَاحِبُهُ فَيَمُوتُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ بدلٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَوْجَبَ أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ مِنْهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَضِلَّ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَإِنْ ضَلَّتْ بِتَفْرِيطٍ منه في حفظها فعليه فَإِنْ مَاتَتْ ضَمِنَهَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا يَجِدُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَزِمَهُ بَدَلُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَظِرَهَا بَعْدَ فَوَاتِ زَمَانِهَا، فَإِذَا وَجَدَهَا بَعْدَ فَوَاتِ الزَّمَانِ لَزِمَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا فَيَصِيرُ بِالتَّفْرِيطِ مُلْتَزِمًا الْأُضْحِيَّتَيْنِ، وَإِنْ ضَلَّتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ فِي حِفْظِهَا فَلَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَضِلَّ قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لَا تُضْمَنُ إِلَّا بِالْعُدْوَانِ.
وَلِأَنَّهُ لَيْسَ ضَلَالُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَوْتِهَا وَهُوَ لَا يَضْمَنُهَا بِالْمَوْتِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَهَا بِالضَّلَال ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ لِطَلَبِهَا مَؤُونَةٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ طَلَبُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَلَبِهَا مَؤُونَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ طَلَبُهَا، لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا فِي حُقُوقِ الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ ضَلَّتْ بِتَفْرِيطٍ كَانَ عَلَيْهِ طَلَبُهَا بِمَؤُونَةٍ وغير مؤونة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute