للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينكب على وجهه وينصب اللبن على اللحد ويسد فرج اللبن ثم يهال التراب عليه والإهالة أن يطرح من على شفير القبر التراب بيديه جميعاً ثم يهال بالمساحي ولا أحب أن يرد في القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع جداً ويشخص عن وجه الأرض قدر شبر ويرش عليه الماء ويوضع عليه الحصباء ويوضع عند رأسه صخرة أو علامة ما كانت ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا دَفْنُ الْمَوْتَى فَوَاجِبٌ، وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَكَانَ أَصْلُهُ أَنَّ قَابِيلَ لَمَّا قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيلَ لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِهِ {فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتِي أَعَجِزْتُ أنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} (المائدة: ٣١) فَتَنَبَّهَ قَابِيلُ بِفِعْلِ الْغُرَابِ عَلَى دَفْنِ أَخِيهِ فَدَفَنَهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً أحْيَاءُ وَأَمْوَاتاً) {المرسلات: ٢٥) يَعْنِي تَجْمَعُهُمْ أَحْيَاءً وَتَضُمُّهُمْ أَمْوَاتًا، وَقَالَ تَعَالَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهاَ نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) {طه: ٥٥) فَإِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ وَاجِبًا فَيُخْتَارُ تَعْمِيقُ الْقُبُورِ، وَأَنْ يَكُونَ نَحْوَ الْقَامَةِ وَالْبَسْطَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال " عمقوا قبور موتاكم لأن لا تريح عليكم ".

فَصْلٌ

: اللَّحْدُ فِي الْقُبُورِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الشق الضَّرِيحِ فِي وَسَطِهِ، بِخِلَافِ مَذْهَبِ أبي حنيفة، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " اللحد لنا والشق لغيرها " وقد كلف عَادَةُ أَهْلِ مَكَّةَ الضَّرِيحَ، وَكَانَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ لَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَكَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اللَّحْدَ، وَكَانَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ لَهُمْ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ " فَلَمَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ قَوْمٌ اجْعَلُوا لَهُ ضَرِيحًا وَقَالَ آخَرُونَ لَحْدًا، فَأَنْفَذَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَسُولًا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَرَسُولًا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ الْعَبَّاسُ اللَّهُمَّ خِرْ لِنَبِيِّكَ فَسَبَقَ الرَّسُولُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ فَأَلْحَدَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ قَبْرَهُ أَضْجَعُوهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَيُوَسَّدُ رَأْسُهُ بِلَبِنَةٍ وَيُكْرَهُ الْمِخَدَّةُ وَالْمُضْرِبَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَفَاخُرِ الْأَحْيَاءِ وَفِعْلِ الْمُتَنَعِّمِينَ، فَإِذَا انصب في اللحد قرب منه لأنه لا يَنْكَبَّ، وَأُسْنِدَ مِنْ وَرَائِهِ لِئَلَّا يَسْتَلْقِيَ، ثُمَّ يُنْصَبُ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا قَائِمًا لَا بَسْطًا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كذلك فعل به، ولأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>