قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْرِفُ مِنْ ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الِانْفِرَادِ مَا أَعْرِفُ مِنْ ثُبُوتِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأُحَرِّمُهَا.
وَنَهْيُهُ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ، لِأَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ يَجْمَعُ صِنْفَيْنِ، فَقَدْ أَبَاحَ مَا يَخْرُجُ عَنْ صِنْفِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَبَّحَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَيْبَرَ بُكْرَةً، وَقَدْ خَرَجُوا بِالشَّاةِ مِنَ الْحِصْنِ، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قالوا محمد والخميس، لم لَجُّوا إِلَى الْحِصْنِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قومٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ، فَلَمَّا فَتَحُوهَا أَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوا مِنْهَا، فَنَادَى مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْهَا، فَإِنَّهَا رجسٌ فَكَفُّوا الْقُدُورَ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ.
فَاحْتَمَلَ مَا حَكَمُوا بِهِ مِنْ أَكْلِهَا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَطِيبُونَهَا كَالْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ، حَتَّى نُهُوا عَنْهَا بِالنَّصِّ.
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونُوا هَمُّوا بِذَلِكَ لِمَجَاعَةٍ لَحِقَتْهُمْ حَتَّى نُهُوا عَنْهَا بِالْفَتْحِ، فَلِذَلِكَ مَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا لَحْمُ الْخَيْلِ فَأَكْلُهَا حَلَالٌ، قَالَ الشافعي لا كُلُّ مَا لَزِمَهُ اسْمُ الْخَيْلِ مِنَ الْعِرَابِ وَالْمَقَادِيفِ وَالْبَرَاذِينِ فَأَكْلُهَا حَلَالٌ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّهَا حَرَامٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَكْرُوهٌ، احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالخَيْلَ وَالْبَغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) {النحل: ٨) . فَكَانَ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهَا دَلِيلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَخْصِيصُ مَنْفَعَتِهَا بِالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا عَدَاهُ.
وَالثَّانِي: ضَمَّهَا إِلَى مَا حَرُمَ أَكْلُهُ مِنَ الْحَمِيرِ، وَبِرِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى خيبر، فأتته اليهود، فشكو أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى حَظَائِرِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلَا لَا تَحِلُّ أَمْوَالُ الْمُعَاهِدِينَ إِلَّا بِحَقِّهَا وحرامٌ عَلَيْكُمْ حُمُرُ الْأَهْلِيَّةِ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُهَا ".
وَهَذَا نَصٌّ قَالُوا: وَلِأَنَّهُ ذُو حَافِرٍ أَهْلِيٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ أَكْلُهُ كَالْحَمِيرِ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُسْهَمُ لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ كَالْآدَمِيِّينَ.
وَدَلِيلُنَا: مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَطْعَمَنَا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لُحُومَ الْخَيْلِ، وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحَمِيرِ، وَهَذَا نص.