لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُحَابَاةِ فِيهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا هِيَ قَدْرُ ثُلُثِهِ فَصَحَّ جَمِيعُهَا، فهذا حكم المحاباة في البيع.
[فصل:]
فأما الْمُحَابَاةُ فِي الشِّرَاءِ:
فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَرِيضُ عَبْدًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، يُسَاوِي مِائَةً.
فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ فِي ثَمَنِهِ، مِائَةُ دِرْهَمٍ.
فَإِنْ صَحَّ الْمُشْتَرِي مِنْ مَرَضِهِ، لَزِمَهُ دَفْعُ الْمِائَتَيْنِ ثَمَنًا. وَإِنْ مات من مَرِضِهِ، نُظِرَ فِي الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ وَارِثًا، لَا تَجُوزُ لَهُ الْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ وَرُدَّتْ وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَمْضِيَ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ كُلِّهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ مِثْلِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُفْسَخَ وَيسترْجَعَ الْعَبْدُ، لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِثَمَنٍ صَارَ لَهُ بَعْضُهُ، فَلِذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ.
فَإِنِ اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ، فَلَا خِيَارَ لِوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ نَقْصٌ.
وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا: فَإِنْ خَلَّفَ الْمُشْتَرِي مَعَ الثَّمَنِ مِائَةَ دِرْهَمٍ صَحَّتِ الْمُحَابَاةُ لأن التركة ثلاثة مائة دِرْهَمٍ، وَقَدْرَ الْمُحَابَاةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَهِيَ ثُلُثُ التركة.
فلو وجد وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ المشتري: كان لهم في الْخِيَار فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَإِبْطَالِ الْمُحَابَاةِ، وَاسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ إِنَّمَا تَلْزَمُهُمْ عِنْدَ احْتِمَالِ الثُّلُثِ لَهَا إِذَا لَمْ يَحْدُثْ خِيَارٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَسْخَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ لو رآه، لا يستحق بِهِ الْفَسْخَ. فَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُ.
وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا سِوَى الثَّمَنِ وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ: صَحَّتِ الْمُحَابَاةُ بِثُلُثِ الْمِائَتَيْنِ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا، وَثُلُثَا دِرْهَمٍ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي إِمْضَاءِ الْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ كُلِّهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ.
فَإِذَا عَادَ إِلَى الْوَرَثَةِ معهم عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، صَارَ مَعَهُمْ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، فَذَلِكَ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْمُحَابَاةِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا القياس.
ويكون الفرق بين المحاباة في الشراء، والمحاباة في البيع مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ مِنَ الْمُحَابَاةِ فِي الْبَيْعِ يَكُونُ مَرْدُودًا مِنَ الْمَبِيعِ، دُونَ الثَّمَنِ. وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ مِنَ الْمُحَابَاةِ فِي الشِّرَاءِ يَكُونُ مَرْدُودًا مِنَ الثَّمَنِ دُونَ الْمَبِيعِ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: إِنَّهُ إذا زادت الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ، كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ البائع.
وإذا زادت الْمُحَابَاةُ فِي الشِّرَاءِ، كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي، فَلَوِ اشْتَرَى الْمَرِيضُ مِنْ مَرِيضٍ عَبْدًا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، بِعَبْدٍ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. فَمُشْتَرِي الْعَبْدِ الْأَعْلَى غَابِنٌ فَلَا خِيَارَ لِوَرَثَتِهِ.
وَمُشْتَرِي الْعَبْدِ الْأَدْنَى مَغْبُونٌ. فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَ الْعَبْدِ الَّذِي دَفَعَهُ ثَمَنًا وَقِيمَتُهُ مِائَتَا