للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ عَقْدُهَا وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا مَعْصِيَةً، وَحَلُّهَا وَالْحِنْثُ فِيهَا طَاعَةً، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاللَّهِ لَا صَلَّيْتُ وَلَا زَكَّيْتُ وَلَا صُمْتُ وَلَا حَجَجْتُ، فَعَقْدُهَا وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا بِأَنْ لَا يُصَلِّيَ وَلَا يُزَكِّيَ مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ فِيهَا مفروضاً عليه، وجلها وَالْحِنْثُ فِيهَا بِأَنْ يُصَلِّيَ وَيُزَكِّيَ طَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِ.

وَهَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَزْنِيَنَّ وَلَأَشْرَبَنَّ خَمْرًا وَلَأَسْرِقَنَّ وَلَأَقْتُلَنَّ كَانَ عَقْدُهَا وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعْصِيَةً، وَحَلُّهَا وَالْحِنْثُ فِيهَا طَاعَةً بِأَنْ لَا يَزْنِيَ وَلَا يَشْرَبَ.

وَالْقَسَمُ الثَّالِثُ: مَا كَانَ عَقْدُهَا وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا مُسْتَحَبًّا، وَحَلُّهَا وَالْحِنْثُ فِيهَا مَكْرُوهًا وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ النَّوَافِلَ وَلَأَتَطَوَّعَنَّ بِالصَّدَقَةِ، وَلَأَصُومَنَّ الْأَيَّامَ الْبِيضَ، وَلَأُنْفِقَنَّ عَلَى الْأَقَارِبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْخَيْرَاتِ، فَعَقْدُهَا وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا بِفِعْلِ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، وَحَلُّهَا وَالْحِنْثُ فِيهَا بِتَرْكِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا كَانَ عَقْدُهَا وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا مَكْرُوهًا وَحَلُّهَا وَالْحِنْثُ فِيهَا - مُسْتَحَبًّا، وَهُوَ عَكْسُ مَا قَدَّمْنَاهُ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَا صَلَّيْتُ نَافِلَةً، وَلَا تَطَوَّعْتُ بِصَدَقَةٍ وَلَا صِيَامٍ، وَلَا أَنْفَقْتُ عَلَى ذِي قَرَابَةٍ، وَلَا عُدْتُ مَرِيضًا، وَلَا شَيَّعْتُ جِنَازَةً، فَعَقْدُهَا وَالْمَقَامُ عَلَيْهَا مَكْرُوهٌ، وَحِلُّهَا وَالْحِنْثُ فِيهَا بِفِعْلِ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، قَدْ حَلَفَ أَبُو بكر أن لا يبر مسطح، وَكَانَ ابْنَ خَالَتِهِ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْإِفْكِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَلاَ يَأْتلُ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى) {النور: ٢٢) إِلَى قَوْلِهِ: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) {النور: ٢٢) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى يَا رَبِّ، فَبَرَّهُ وَكَفَّرَ.

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا فِعْلُهُ مُبَاحٌ وَتَرْكُهُ مُبَاحٌ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ وَلَا لَبِسْتُ هَذَا الثَّوْبَ، وَلَا أَكَلْتُ هَذَا الطَّعَامَ فَعَقْدُهَا لَيْسَ بمستحبٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ أَبِي هريرة أن عَقْدَهَا مُبَاحٌ، وَحَلَّهَا مُبَاحٌ، لِانْعِقَادِهَا عَلَى مَا فِعْلُهُ مُبَاحٌ، وَتَرْكُهُ مُبَاحٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظاهر كلامه هاهنا، أَنَّ عَقْدَهَا مَكْرُوهٌ، وَحِلَّهَا مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَكْرَهُ الْأَيْمَانَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَيَكُونُ عَقْدُهَا مَكْرُوهًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ عَنِ الْوَفَاءِ بِهَا، وحلها مكروه؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّهَ عُرْضَةً بِيَمِينِهِ وَقَدْ نَهَاهُ عَنْهُ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، وَحَلَفَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ فِيهَا أَنْ يَبَرَّ أَوْ يَحْنَثَ فَإِنْ بَرَّ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بِرُّهُ فِيهَا طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً، ذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ فِيهَا وَهُوَ قَوْل عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>