للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا قُوتِلُوا فِي عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ قُوتِلُوا فِي عبادات الأموال.

وقولهم: إِنَّ الْمَالَ هُوَ الْمَطْلُوبُ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُوَصَلْ إِلَيْهِ إِلَّا بِقِتَالِهِمْ، صَارَ قِتَالُهُمْ موصلاً إلى أخذ الحق منم، وَمَا أَوْصَلَ إِلَى الْحَقِّ كَانَ حَقًّا.

وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ فَفِيهَا جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَا نَظَرَ لِلْإِمَامِ فِيهَا، فَلَمْ يُحَارِبْهُمْ عَلَيْهَا، وَخَالَفَتِ الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَاتَلُوا عَلَى إِخْرَاجِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَإِنْ لَمْ يُقَاتَلُوا عَلَى دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ قِتَالِهِمْ عَلَى مَنْعِهَا، فَإِنْ قَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَخَذَ زَكَاتَهَا مِنْهَا بِغَيْرِ قِتَالٍ نُظِرَ.

فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا لِرَفْعِ أَيْدِيهِمْ عَنْهَا، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْهَا لَمْ يُقَاتِلْهُمْ لِأَنَّ هَذَا تَمْكِينٌ مِنَ الزَّكَاةِ.

وَإِنْ كَانَ لِعَجْزِهِمْ عَنِ الدَّفْعِ عَنْهَا، كَانَ عَلَى قِتَالِهِمْ، حَتَّى يُظْهِرُوا الطَّاعَةَ بِأَدَائِهَا طَوْعًا.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ أَنَّ نَفَرًا يَسِيرًا قَلِيلِي الْعَدَدِ وَيُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَمْتَنِعُ إِذَا أُرِيدُوا فَأَظْهَرُوا آرَاءَهُمْ وَنَابَذُوا الْإِمَامَ الْعَادِلَ وَقَالُوا نَمْتَنِعُ مِنَ الْحُكْمِ فَأَصَابُوا أَمْوَالًا وَدِمَاءً وَحَدَّدُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُتَأَوِّلِينَ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ وَأُخِذَتْ مِنْهُمُ الْحُقُوقُ كَمَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ - إِذَا قَلَّ أَهْلُ الْبَغْيِ وَلَمْ يَنْفَرِدُوا بِدَارٍ وَنَالَتْهُمُ الْقُدْرَةُ، وَلَمْ يَمْنَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِكَثْرَةٍ وَقُوَّةٍ لَمْ يُؤَثِّرْ مَا تَأَوَّلُوهُ فِي سُقُوطِ الْحُقُوقِ عَنْهُمْ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ. فَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ مِنْ أَسْوَأِ الْبُغَاةِ مُعْتَقَدًا وأعظمهم إجراماً، قال - وعلي - كرم الله وجهه - يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْكُوفَةِ: وَاللَّهِ لَأُرِيحَنَّهُمْ مِنْكَ، فَأَخَذَهُ النَّاسُ وَحَمَلُوهُ إِلَيْهِ، وَقَالُوا: اقْتُلْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَكَ، فَقَالَ: كَيْفَ أَقْتُلُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَنِي وَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَبَاتَ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فخرج علي - عليه السلام - لِصَلَاةِ الْفَجْرِ مُغَلِّسًا.

وَقِيلَ: إِنَّهُ أَنْشَدَ بِالِاتِّفَاقِ قول الشاعر:

<<  <  ج: ص:  >  >>