للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ زَانِيًا وفي بعضها غير زان، ولأنه إقرار ثبت بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ فَوَجَبَ أَنْ يُثْبِتَ بِهِ حَدُّ الزِّنَا كَالْأَرْبَعِ.

وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ ضَرْبَانِ: حَقُّ الله سبحانه، وَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّ، وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ التَّكْرَارُ فَكَانَ حَدُّ الزِّنَا مُلْحَقًا بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ عنهما.

فأما الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " مَاعِزٍ) فِي إِقْرَارِهِ أَرْبَعًا فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَقَّفَ عَنْ رَجْمِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى اسْتِثْبَاتًا لحاله واسترابة لجنونه؛ لأنه كان قصيراً اعضد احمر العينين ناثر الشِّعْرِ أَقْبَلَ حَاسِرًا فَطَرَدَهُ تَصَوُّرًا لِجُنُونِهِ، وَأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَفْضَحُ نَفْسَهُ وَيُتْلِفُهَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ) وَلِذَلِكَ سَأَلَ قَوْمَهُ عَنْ حَالِهِ وَقَالَ: أَبِهِ جِنَّةٌ وَقَالَ اسْتَنْكِهُوهُ لأنه توهمه حين لم ير به جنة أن يكون سكراناً.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَرْبَعُ مُعْتَبَرًا لَكَانَ الأول مؤثراً، ولما استجاز أن يطرده، وقد تعلق به لله تعالى حق.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ رَجَمَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَثْبَتَهُ فِي الخامسة وقال: " لعلك قبلت لعلك لمست؟) قال بل جامعتها، قال: " أَوْلَجْتَ ذَكَرَكَ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ والرشا في البئر) ؟ قال: نعم فأقر بِرَجْمِهِ فِي الْخَامِسَةِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا بِإِجْمَاعٍ فَكَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَهَا.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ خَبَرٌ خَالَفَ الْأُصُولَ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ إِذَا خَالَفَ الْأُصُولَ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِنَّكَ إِنْ أَقْرَرْتَ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ) فَلِأَنَّ حَالَهُ قَدْ وَضَحَتْ وَالِاسْتِرَابَةُ قَدِ ارْتَفَعَتْ فَصَارَتِ الرَّابِعَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِزَوَالِ الِاسْتِرَابَةِ وَلَمْ تكن لاستكمال العدد؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ جَلَدَ فِي أَيَّامِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ عَدَدًا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الشَّهَادَةِ فَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهَا أَنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَ فِيهَا الْعَدَدُ فِي غَيْرِ الزِّنَا اعْتُبِرَ فِي الزِّنَا، وَلَمَّا لَمْ يُعْتَبَرِ الْعَدَدُ فِي الْإِقْرَارِ بِغَيْرِ الزِّنَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِزِيَادَةِ الشَّهَادَةِ فِيهِ تَغْلِيظًا فَهُوَ أن الشهادة قد تختلف باختلاف الحقوق ولا توجب اخْتِلَافَ الْإِقْرَارِ بِهَا فَكَذَلِكَ فِي الزِّنَا.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَا بِامْرَأَةٍ فَجَحَدَتِ الْمَرْأَةُ الزِّنَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>