بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ سَلَفٍ جر منفعة وتأخير الحق
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَذَلِكَ أَنَّ من سنته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن تكون الأثمان معلومة والبيع معلوم فَلَمَّا كُنْتُ إِذَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ دَارًا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُسَلِّفَكَ مِائَةً كُنْتُ لَمْ أَشْتَرِهَا بِمَائَةٍ مُفْرَدَةٍ وَلَا بِمِائَتَيْنِ وَالْمِائَةُ السَّلَفُ عَارِيَّةٌ لَهُ بِهَا مَنْفَعَةٌ مَجْهُولَةٌ وَصَارَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَعْلُومٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ رَوَى الْحِجَازِيُّونَ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَقَرْضٍ وَالسَّلَفُ هُوَ الْقَرْضُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ. فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ قالهما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلُغَتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَاحِدًا رَوَاهُ الْحِجَازِيُّونَ بِلُغَتِهِمْ وَرَوَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ بِلُغَتِهِمْ، وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ إِذَا كَانَ مَعْنَى اللَّفْظِ جَلِيًّا وَالِاحْتِمَالُ عَنْهُ مُنْتَفِيًا.
وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِانْفِرَادِهِ جَائِزٌ، وَالْقَرْضَ بِانْفِرَادِهِ جَائِزٌ وَاجْتِمَاعَهُمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ بَيْعٌ شُرِطَ فِيهِ قَرْضٌ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي مائة، وهذا بَيْعٌ بَاطِلٌ وَقَرْضٌ بَاطِلٌ لِأُمُورٍ مِنْهَا: نَهْيُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهُ.
وَمِنْهَا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. وَمِنْهَا نَهْيُهُ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً.
وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنَ الْمَعْنِيِّ الْمُفْضِي إِلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَذَاكَ أَنَّ الْبَائِعَ إِذَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ قَرْضًا صَارَ بَائِعًا سِلْعَتَهُ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ وَبِمَنْفَعَةِ الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمِ الشَّرْطَ سَقَطَتْ مَنْفَعَتُهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَالْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةٌ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنَ الثَّمَنِ أَفْضَتْ إِلَى جَهَالَةٍ نَافِيَةٍ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ مبطلة للعقد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute