فَحَمَلَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ كَانَ وَلَدُهَا تَبَعًا لَهَا في الأضحية، وعليه أن يذبحها مَعًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً مَعَهَا وَلَدُهَا، فَقَالَ: لَا تَشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَانْحَرْهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ؛ وَلِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ وَلَدَ الْمُعْتَقَةِ وَالْمَبِيعَةِ وَخَالَفَ وَلَدَ الْمُسْتَأْجَرَةِ والمرهونة، فإذا ذبحها معاًَ وَتَصَدَّقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَأَكَلَ جَازَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ مِنْ إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَصَدَّقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتَا أُضْحِيَّتَيْنِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَسْلُكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَسْلَكَ الْأُضْحِيَّةِ كَالْأُضْحِيَّتَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنَ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ وَمِنَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ لِأَنَّ وَلَدَهَا بَعْضُهَا وَإِذَا تَصَدَّقَ بِبَعْضِ الْأُضْحِيَّةِ أَجْزَأَهُ عَنِ الْبَاقِي.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنْ تَصَدَّقَ مِنَ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ مِنَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ فَرْعٌ تابع والأم أصل متبوع.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَا يَشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا الْفَضْلَ عَنْ وَلَدِهَا وَلَا مَا يُنْهِكُ لَحْمَهَا وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ حِلَابُ الْأُضْحِيَّةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يجوز حلابها وينضج الْمَاءُ عَلَى ضَرْعِهَا حَتَّى يَذْهَبَ لَبَنُهَا كَمَا لا يجوز جواز صُوفِهَا، وَدَلِيلُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِأَنَّ تَرْكَ لَبَنِهَا مُضِرٌّ بِهَا.
وَلِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ إِنْ حَلَبَ فَكَانَ فِي تَرْكِهِ إِضَاعَةٌ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ وَلَدٍ حَلَبَ جَمِيعَ لَبَنِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ مُضِرٍّ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " دَعُوا دَاعِيَ اللَّبَنِ " يَعْنِي إِبْقَاء يَسِير يَصِيرُ بِهِ دَاعِيَه كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهَا حَتَّى يَرْتَوِيَ مِنْ لَبَنِهَا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ تَمْكِينُ الْأُمِّ مِنْ عَلَفِهَا ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُهُ بَعْدَ تَمْكِينِهِ مِنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ رِيِّهِ مِنْ غَيْرِ فضل ولا نقصان فلا تجوز أَنْ يَحْلِبَ مِنْ لَبَنِهَا شيئاًَ لِاسْتِحْقَاقِهِ فِي رِيِّ الْوَلَدِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيةُ: أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ رِيِّهِ فَعَلَيْهِ بَعْدَ تَمْكِينِهِ مِنْ لَبَنِهَا أَنْ يَسْقِيَهُ بَعْدَ رِيِّهِ مِنْ غَيْرِهَا.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ رِيِّهِ فَعَلَيْهِ أن يخلي بينه وبين ربه ثُمَّ يَحْتَلِبُ الْفَاضِلُ عَنْ رِيِّهِ، فَإِذَا احْتَلَبَ اللَّبَنُ فَالْأَوْلَى بِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِجَمِيعِهِ فَالْأَفْضَلُ بَعْدَهُ أَنْ يَسْلُكَ بِهِ مَسْلَكَ اللَّحْمِ فَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيَسْقِي غيره، فإن