عَلَيْهِمْ أَبْلَغَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا وَاسْتِقْبَالُهُمْ بِوَجْهِهِ أَبْلَغَ فِي الِاسْتِمَاعِ لَهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بوجهه قصد وجهه، ولا يلتفت يمينا ولا شِمَالًا وَلَا يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ أَئِمَّةُ هَذَا الْوَقْتِ، مِنَ الِالْتِفَاتِ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لِيَكُونَ مُتَّبِعًا لِلسُّنَّةِ، آخِذًا بِحُسْنِ الْأَدَبِ، لِأَنَّ فِي إِعْرَاضِهِ عَمَّنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، وَقَصَدَ بِوَجْهِهِ إِلَيْهِ، قُبْحَ عِشْرَةٍ، وَسُوءَ أَدَبٍ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ قَصْدَ وَجْهِهِ عَمَّ الْحَاضِرِينَ سَمَاعُهُ، وإذا التفت يمينا قصر عن سماعه يُسْرَتِهِ، وَإِذَا الْتَفَتَ شِمَالًا قَصَّرَ عَنْ سَمَاعِ يَمْنَتِهِ.
فَإِنْ خَالَفَ السُّنَّةَ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، أَجَزَاهُمْ وَإِيَّاهُ بِحُصُولِ تَبْلِيغِهَا، وَالْغَرَضِ الْمَقْصُودِ منها كالأذان الذي من سنته استقبال القبلة به، وَيُجْزِي وَإِنِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ بِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
: قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وأجب أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ حَتَّى يُسْمَعَ وَأَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ مُتَرَسِّلًا مُبِيَّنًا مُعْرَبًا بِغَيْرِ مَا يُشْبِهُ الْعِيَّ وَغَيْرِ التَّمْطِيطِ وَتَقْطِيعِ الْكَلَامِ وَمَدِّهِ، وَلَا مَا يُسْتَنْكَرُ مِنْهُ وَلَا الْعَجَلَةِ فِيهِ عَلَى الإفهام ولا ترك الإفصاح بالقصد وليكن كلامه قصيرا بليغا جامعا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْمَقْصُودُ بِالْخُطْبَةِ شيئان: الموعظة، والإبلاغ، فينبغي للإمام أن يرفع صوته بالخطبة ليحصل الإبلاغ، وَيَقْصِدُ بِمَوْعِظَتِهِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: إِيرَادُ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ، وَاخْتِيَارُ اللَّفْظِ الْفَصِيحِ وَاجْتِنَابُ مَا يَقْدَحُ فِي فَهْمِ السَّامِعِ، مِنْ تَمْطِيطِ الْكَلَامِ وَمَدِّهِ، أَوِ الْعَجَلَةِ فِيهِ عَنْ إِبَانَةِ لَفْظِهِ، أَوْ رَكْبِ مَا يُسْتَنْكَرُ مِنْ غَرِيبِ الْكَلَامِ وَإِعْرَابِهِ. وَلَا يُطِيلُ إِطَالَةً تُضْجِرُ، وَلَا يُقَصِّرُ تَقْصِيرًا يُبْتِرُ، وَيَعْتَمِدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ عَلَى ذِكْرِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ بَعْدَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، ويصلي على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي خُطْبَتِهِ، فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَطَبَ فَقَالَ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمُدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَسْتَنْصِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ فِي خُطْبَةٍ أُخْرَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يَأْكُلُ مِنْهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، أَلَا وَإِنَّ الْآخِرَةَ أَجَلٌ صَادِقٌ، يقضي فيها ملك قادر، ألا وَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ، أَلَا وإن الشر كله بحذافيره في النار ألا فاعلموا وَأَنْتُمْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَذَرٍ، اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَعْرُوضُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مثقال ذرة خير يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ مِنْهُمَا أن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute