[(باب النفير من كتاب الجزية والرسالة)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} وَقَالَ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولي الضرر والمجاهدون} إلى قوله {وكلا وعد الله الحسنى} فَلَمَّا وَعَدَ الْقَاعِدِينَ الْحُسْنَى دَلَّ أَنَّ فَرْضَ النَّفِيرِ عَلَى الْكِفَايَةِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا ذُكِرَ. جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْمُكَافَئُونَ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنِ الْبَاقِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ، احْتِجَاجًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: ٣٩] وَبِقَوْلِهِ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] وَبِقَوْلِهِ: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة: ١٢٠] .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ قَوْلُ الله تعالى: {فضل الله المجاهدين عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥] فَلَمَّا وَعَدَ الْقَاعِدِينَ بِالْحُسْنَى دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ فَرْضٍ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: ١٢٢] وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذَا غَزَا لَمْ يَخْرُجْ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ مِنْهُمْ قَوْمٌ، فَلَوْ كَانَ فَرْضُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ لَخَرَجَ جَمِيعُهُمْ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ عَادُوا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ، فَأَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ عَوْدَهُمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَاهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَرْكَ إِجَابَتِهِ.
وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزَا بِنَفْسِهِ تَارَةً وَبِسَرَايَاهُ أُخْرَى، وَلَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute