فَإِذَا صَارَ أَحَدُهُمَا طَالِبًا وَالْآخَرُ مَطْلُوبًا، بَدَأَ الطَّالِبُ بِدَعْوَاهُ فَإِنْ عَارَضَهُ الْمَطْلُوبُ فِي الْكَلَامِ، قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدَّعْوَى، مَنَعَهُ الْقَاضِي مِنْ مُعَارَضَتِهِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا.
فَلَوْ أَنَّ الطَّالِبَ كَتَبَ دَعْوَاهُ فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى الْقَاضِي وَقَالَ قَدْ أَثْبَتُّ دَعْوَايَ فِي هَذِهِ الرُّقْعَةِ، وَأَنَا مُطَالَبٌ لَهُ بِمَا فِيهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ، عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي هَذَا مِنْهُ حَتَّى يَذْكُرَهُ نُطْقًا بِلِسَانِهِ، أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، لِأَنَّ الطَّلَبَ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، دُونَ الْخَطِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَى الطَّالِبِ وَيَقُولَ لَهُ: أَهَكَذَا تَقُولُ أَوْ تَدَّعِي؟
فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، سَأَلَ الْمَطْلُوبَ عَنِ الْجَوَابِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَهُ قَبْلَ قِرَاءَتِهَا عَلَى الطَّالِبِ وَاعْتِرَافِهِ بِمَا تَضَمَّنَهَا.
فَإِنْ فَعَلَ الْمَطْلُوبُ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى مِثْلَ ذَلِكَ وَكَتَبَ جَوَابَهُ فِي رُقْعَةٍ وَدَفْعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ، فَقَالَ: هَذَا جَوَابِي عَنِ الدَّعْوَى، كَانَا فِي الْقَبُولِ وَالِامْتِنَاعِ عَلَى سَوَاءٍ إِنْ جَوَّزْنَاهُ فِي الطَّالِبِ.
فَإِنْ قَدَّمَ الْمَطْلُوبُ الْإِقْرَارَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدَّعْوَى، لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ، وَسَقَطَ جَوَابُهُ عَنِ الدَّعْوَى إِذَا وَافَقَتْ إِقْرَارَهُ.
وَإِنْ قَدَّمَ الْإِنْكَارَ لَمْ يُقْنِعْ فِي الْجَوَابِ وَطُولِبَ بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْتِزَامٌ، فجَازَ تَقْدِيمُهُ، وَالْإِنْكَارُ إِسْقَاطٌ فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الدَّعْوَى، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيمَا يَخْتَارُ أَنْ يَقُولَهُ الْقَاضِي لِلطَّالِبِ.
فَاخْتَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: قَدْ أَنْكَرَكَ مَا ادَّعَيْتَهُ عَلَيْهِ فَمَاذَا تُرِيدُ؟ .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَنْكَرَكَ مَا ادَّعَيْتَ، فَهَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ؟ وَهُوَ الْأَشْبَهُ. لِرِوَايَةِ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ حَاكَمَ رَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في أرض فقال الحضرمي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ: فَيَمِينُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ فَاجِرٌ، لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَاكَ.
( [لَا يُضِيفُ القاضي الخصم دون صاحبه] )
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُضِيفَ الْخَصْمَ دُونَ خَصْمِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا أَمْسَى الْخَصْمَانِ عِنْدَ الْقَاضِي، أَوْ كَانَا غَرِيبَيْنِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضِيفَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ ظُهُورِ الْمُمَايَلَةِ، رُوِيَ أَنَّ