عَبَّاسٍ: كُلَا، قَالَا: وَلَا يَأْكُلُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: إِنِّي تَحْضُرُنِي مِنَ اللَّهِ حاضرةٌ.
وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ نَصٌّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ لَهُ أَلْزَمُ، وَلَيْسَ فِي الحديثين المتقدمين دليل على التحريم، وإنما فيها امْتِنَاعٌ مِنَ الْأَكْلِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ يَزِيدَ الْأَصَمِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ الرِّوَايَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ، وَقَالَ: مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا مُحَلِّلًا وَمُحَرِّمًا.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا الْأَرْنَبُ فحلالٌ، لِأَنَّهُ لَا عَدْوَى فِيهِ، وَيَعِيشُ بِغَيْرِ أَنْيَابِهِ، وَقَدْ رَوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ حَاضَرَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: أَبُو ذَرٌّ أَنَا شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُتِيَ بِأَرْنَبِ فَقَالَ لِلَّذِي جَاءَهُ بِهَا: رَأَيْتُهَا كَأَنَّهَا تَدْمَى، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَأْكُلْ وَقَالَ لِلْقَوْمِ كُلُوا.
وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: اصْطَدْتُ أَرْنَبَيْنِ فَذَبَحْتُهُمَا بِمَرْوَةَ - يَعْنِي بِحَجَرٍ - وَسَأَلْتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عنها فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهِمَا.
فَأَمَّا الثَّعْلَبُ فَهُوَ حَلَالٌ.
وَقَالَ أبو حنيفة مكروه كالضبع، لأنه يفرس بِنَابِهِ، وَهُوَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ التَّعْلِيلَيْنِ مُبَاحٌ، لِأَنَّهُ لَا عَدْوَى فِيهِ، وَقَدْ يَعِيشُ بغير أنيابه.
وأما ابن آوى ففي إباحته أَكْلَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُؤْكَلُ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ بِالْعَدْوَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لِأَنَّهُ يَعِيشُ بِأَنْيَابِهِ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا الْيَرْبُوعُ فيؤكل، وقد حكم فيه عمر - رضي الله عنه - على المحرم بحفرة، وَقِيلَ: إِنَّهُ فَأْرُ الْبَرِّ فَيُؤْكَلُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ فَأْرُ الْمُدُنِ، قَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِقَتْلِ الْفَأْرَةِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْيَرْبُوعِ.