بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي الدَّعْوَى فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ بِغَيْرِ شُفْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ مقر بطلان البيع والله أعلم.
[مسألة]
قال المزني رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَإِذَا كَانَ لِلشِّقْصِ ثَلَاثَةُ شُفَعَاءَ فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّالِثِ فَإِنْ كَانَا سَلَّمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إِلَى أَنْفُسِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا سَلَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إِلَى أَنْفُسِهِمَا مَا سَلَّمَهُ صَاحِبُهُمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا وَجَبَتِ الشُّفْعَةُ لِثَلَاثَةِ شُفَعَاءَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَلَى أَحَدِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ عَفَا عَنِ الشُّفْعَةِ نُظِرَ: فَإِنْ كانا حَضَرَ الشَّفِيعَانِ الْآخَرَانِ مُطَالِبَيْنِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ الْعَافِي، وَخَصْمَهُ فِي الْعَفْوِ، وَشَرِيكَاهُ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُعَلَّقُ به بِعَفْوِهِ حَقٌّ لِرُجُوعِهِ عَلَى شَرِيكِهِ، وَإِنْ غَابَ الشَّفِيعَانِ الْآخَرَانِ، أَوْ عَفَوَا صَارَ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِلْعَافِي فَإِنْ عَدِمَ الْعَافِي بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِعَفْوِهِ جَازَ أَنْ يُحْلِفَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ وَهِيَ: شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَالٍ فَإِنْ شَهِدَ عَلَى الْعَافِي شَرِيكَاهُ فِي الشُّفْعَةِ نُظِرَ فِيهَا. فَإِنْ كَانَا قَدْ عَفَوَا عَنْ شُفْعَتِهِمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِبَرَاءَتِهِمَا مِنْ تُهْمَةٍ وَسَلَامَتِهِمَا مِنْ جَرِّ مَنْفَعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا قَدْ عَفَوَا رُدِّتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لما فيها من اتهامهما يجر الزِّيَادَةِ إِلَى أَنْفُسِهِمَا، لِأَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ إِذَا عَفَا تَوَفَّرَ حَقُّهُ عَلَى مَنْ بَقِيَ فَلَوْ عَفَا الشَّرِيكَانِ فِي الشُّفْعَةِ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يُسْمَعْ بَعْدَ عَفْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِذَا رُدِّتْ لِتُهْمَةٍ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَ زَوَالِ التُّهْمَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوِ ادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى رجلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّقْصَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ مِنْ صَاحِبِهِ الْغَائِبِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ ثَمَنَهُ وَأَقَامَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَخَذَ بِشُفْعَتِهِ وَنَفَذَ الْحُكْمُ بِالْبَيْعِ عَلَى صَاحِبِهِ الْغَائِبِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رحمه الله هذا قول الكوفيين وهو عنيد تَرْكٌ لِأَصْلِهِمْ فِي أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَهَذَا غَائِبٌ قُضِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَأَبْرَأَ مِنْهُ إِلَيْهِ الْمُشْتَرِيَ وَبِذَلِكَ أَوْجَبُوا الشُّفْعَةَ لِلشَّفِيعِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَإِنَّمَا أَعَادَهَا الْمُزَنِيُّ لِيَتَكَلَّمَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ. فَإِنْ غَابَ مِلْكُ الشِّقْصِ تَارِكًا حَقَّهُ فِي يَدِ نَائِبٍ عَنْهُ، فَادَّعَى الشفيع على الغائب الْحَاضِرِ أَنَّهُ اشْتَرَى حِصَّةَ الْغَائِبِ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ الشِّرَاءَ حَلَفَ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ، وَعَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيْعِ، وَلِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ، وَهَذَا قَوْلٌ وَافَقَهُ أبو حنيفة وَأَهْلُ الْعِرَاقِ مَعَ إِنْكَارِهِمُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمُ الْمُزَنِيُّ بِأَنَّهُمْ تَرَكُوا أُصُولَهُمْ وَنَاقَضُوا أَقْوَالَهُمْ عَلَى غَائِبٍ يُنْكِرُونَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُزَنِيُّ عَلَيْهِمْ مِنْ مناقضة أصلهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute