كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ
بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ ما لا تأكل العرب من معاني الرسالة ومعانٍ أعرف له وغير ذلك
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وَقَالَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الخَبَائِثَ} وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِذَلِكَ الْعَرَبُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ هَذَا وَنَزَلَتْ فِيهِمُ الْأَحْكَامُ وَكَانُوا يَتْرُكُونَ مِنْ خَبِيثِ الْمَآكِلِ مَا لَا يَتْرُكُ غَيْرُهُمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَأْكُولَ ضَرْبَانِ: حَيَوَانٌ وَنَبَاتٌ.
فَأَمَّا النَّبَاتُ فَيَأْتِي.
وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَضَرْبَانِ: بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ، فَأَمَّا الْبَحْرِيُّ فَقَدْ مَضَى، وَأَمَّا الْبَرِّيُّ فَضَرْبَانِ: دَوَابُّ وَطَائِرٌ، وَهَذَا الْبَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا حَلَّ مِنْهَا وَحَرُمَ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: مَا وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْلِيلِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، فَهُوَ حَلَالٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا كَانَ غَفْلًا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَصْلًا يعرف به حلاله وحرامه، في آياتين مِنْ كِتَابِهِ وَسُنَّةً عَنْ رَسُولِهِ.
فَأَمَّا الْآيَتَانِ فَإِحْدَاهُمَا قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) {المائدة: ٤) فَجُعِلَ الطَّيِّبُ حَلَالًا.
وَالثَّانِيةُ قَوْله تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الخَبَائِثَ} (الأعراف: ١٥٧) . فَجَعَلَ الطَّيِّبَ حَلَالًا، وَالْخَبَثَ حَرَامًا، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَعَمَّ مِنَ الْأُولَى، لِأَنَّ الْأُولَى مَقْصُورَةٌ عَلَى إِحْلَالِ الطَّيِّبَاتِ وَهَذِهِ تَشْتَمِلُ عَلَى إِحْلَالِ الطَّيِّبَاتِ وَتَحْرِيمِ الْخَبَائِثِ، فَجَعَلَ الطَّيِّبَ حَلَالًا، وَالْخَبَثَ حَرَامًا، وَهَذَا خِطَابٌ مِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَحَلَّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَلَا يَخْلُو مُرَادُهُ بِالطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute