للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمَا مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، فَصَارَ النِّتَاجُ بِهَذَا الْفَرْقِ أَقْوَى مِنْ قَدِيمِ الْمِلْكِ، فَلِذَلِكَ رُجِّحَتِ الْبَيِّنَةُ بِالنِّتَاجِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَانَ تَرْجِيحُهَا بِقَدِيمِ الْمِلْكِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَهَكَذَا لَوْ تَنَازَعَا ثَوْبًا، وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا، الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ نَسَجَهُ فِي مِلْكِهِ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ، وَلَمْ يَقُولُوا نَسَجَهُ فِي مِلْكِهِ. كَانَ كَالْبَيِّنَةِ بِالنِّتَاجِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الشَّرْحِ.

فَأَمَّا إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الِابْتِيَاعِ، أَوْ مِيرَاثٍ وَشَهِدَتِ الْأُخْرَى بِالْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ، فَيَكُونُ التَّرْجِيحُ بِذِكْرِ السَّبَبِ كَالتَّرْجِيحِ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ النَّسْجَ مُلْحَقٌ بِالنِّتَاجِ وَذِكْرَ السَّبَبِ مُلْحَقٌ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ الْمِلْكُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا وَشَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ شَهْرٍ، فَإِنْ كَانَتِ الْبَيِّنَةُ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، حُكِمَ لَهُ بِالْمِلْكِ. لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، لِأَنَّه قَدْ تَرَجَّحَ بِالْيَدِ، وَبِقَدِيمِ الْمِلْكِ، وإن كَانَتِ الْبَيِّنَةُ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ الْخَارِجِ، دُونَ صَاحِبِ الْيَدِ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَتَرَجَّحُ الْآخَرُ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ، فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا أَنَّهَا تَكُونُ لِصَاحِبِ الْيَدِ تَرْجِيحًا بِيَدِهِ عَلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ، وَتَابَعَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وبه قال أبو حنيفة، فإن حَكَمَ بِبَيِّنَةِ صَاحِبِ الْيَدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ صَاحِبِ الْيَدِ، لِأَنَّه يَمْنَعُ مِنْ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، إِذَا لَمْ تُفِدْ إِلَّا مَا أَفَادَتِ الْيَدُ.

فَأَمَّا إِذَا أَفَادَتْ زِيَادَةً عَلَى مَا أَفَادَتْهُ الْيَدُ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهَا عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَقَدْ أَفَادَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ، فَلِذَلِكَ قَدَّمَهَا عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، تَكُونُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا.

وَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمِرْوَزِيِّ، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إِلَى أَنَّ التَّرْجِيحَ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ بِالْيَدِ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَحْكُمُ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ إِذَا رَجَحَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَالثَّانِي يَحْكُمُ لِصَاحِبِ الْيَدِ إِذَا لَمْ تَتَرَجَّحْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَاحْتَجَّ فِي تَرْجِيحِ قَدِيمِ الْمِلْكِ عَلَى التَّرْجِيحِ بِالْيَدِ، بِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ كَانَتْ لَهُ بِالْأَمْسِ حُكِمَ لَهُ بِمِلْكِ الدَّارِ فِي الْيَوْمِ اسْتِدَامَةً لِمِلْكِهِ، وَلَوْ شَهِدَتْ لَهُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِالْأَمْسِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْيَدِ فِي الْيَوْمِ، وَلَمْ يُوجِبِ اسْتِدَامَةَ يَدِهِ.

وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُزَادُ لِإِثْبَاتِ الْيَدِ، فَإِذَا تَرَجَّحَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْيَدِ، وَافَقَتْ مُوجِبَهَا، وَخَالَفَتْ مُوجَبَ الْأَصْلِ، فَكَذَلِكَ تَرَجَّحَتِ الْبَيِّنَةُ بِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي قَدِيمِ الْمِلْكِ وَحَدِيثِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>