فِعْلِهِ فَإِذَا تَقَرَّرَ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ هَذَا النَّذْرِ وَبَيْنَ الْوَفَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَهُمَا فِي الْوُجُوبِ عَلَى سَوَاءٍ وَلَهُ الْخِيَارُ فِيمَا شَاءَ مِنْهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَهُ إِسْقَاطُهُمَا بِالنَّذْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ أَغْلَبُ وَهِيَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَغْلَظُ وَإِنْ كَانَ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ أَفْضَلَ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالنُّذُورُ تَنْقَسِمُ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْوَفَاءُ بِمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ نَذْرُ الْجَزَاءِ وَالتَّبَرُّرِ إِذَا قَالَ: إِنْ شَفَانِي اللَّهُ تَصَدَّقْتُ بِمَالِي أَوْ حَجَجْتُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ أَوْ صُمْتُ شَهْرًا أَوْ صَلَّيْتُ أَلْفَ رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ إِذَا شَفَاهُ اللَّهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا الْتَزَمَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ كُلِّهِ.
وَفِي قَدْرِ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ لِاسْتِثْنَائِهِ بِالشَّرْعِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَخَرَجَ مِنْ عُمُومِ نَذْرِهِ.
وَإِنْ أَوْجَبَ الْحَجَّ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ مُسْتَطِيعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ، بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِالِاسْتِطَاعَةِ وَتَعَلَّقَ وُجُوبُ هَذِهِ بِالنُّذُورِ وَإِنْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ صَلَّى، وَفِي وُجُوبِ الْقِيَامِ فِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ لِوُجُوبِهَا كَالْفُرُوضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَكَانَتْ بِالتَّطَوُّعِ أَشْبَهَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ مِنَ الصَّدَقَةِ بِقَلِيلِ مَالِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إن شفاني الله فلله عَلَيَّ نَذْرٌ فَيَنْصَرِفُ إِطْلَاقُ هَذَا النَّذْرِ إِلَى الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَغْلَبُ مِنْ عُرْفِ النُّذُورِ، وَلَا يَتَعَذَّرُ إِطْلَاقُهَا بِمَالٍ فَجَازَتْ بِقَلِيلِ الْمَالِ اعْتِبَارًا بِالِاسْمِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَحْدَهَا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَحْدَهَا تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ عَلَى النُّذُرِ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ مَعْلُومَةٌ، وَمُوجَبُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ.