للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهَا مَا زَنَتْ، وَتَكُونُ يَمِينَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ لَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، لأن منكر الزنا لا تجب [عليه اليمين] .

وَأَمَّا الْقَذْفُ فَتَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّهَا مَا أَرَادَتْ قَذْفَهُ، وَلَا تَحْلِفُ أَنَّهَا قَذَفَتْهُ، وَهَلْ يَلْزَمُهَا فِي الْأَمْرَيْنِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ أَوْ يَمِينَانِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَمِينٌ وَاحِدَةٌ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِيهَا بِشَخْصٍ وَاحِدٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمِينَانِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمًا يُخَالِفُ حُكْمَ الْآخَرِ، فَإِنْ حَلَفَتْ عَلَى الْأَمْرَيْنِ سَقَطَ عَنْهَا حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْقَذْفِ كَمَا لَوْ صَدَّقَهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ لَهَا إِلَّا أَنْ يُلَاعِنَهَا، وَإِنْ نَكَلَتْ عَنِ الْيَمِينِ فِي الْأَمْرَيْنِ أُحْلِفَ الزَّوْجُ عليها أنها أرادت الإقرار بالزناه وَأَرَادَتْ قَذْفَهُ بِالزِّنَا وَهَلْ يَحْلِفُ يَمِينًا أَوْ يَمِينَيْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنَ احْتِمَالِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِذَا حَلَفَ وَسَقَطَ عَنْهُ حَدُّ قَذْفِهَا وَوَجَبَ عَلَيْهَا حَدُّ قَذْفِهِ وَلَمْ تُحَدَّ لِلزِّنَا لِأَنَّهَا لَا تُحَدُّ فِي الزِّنَا بِيَمِينِ غَيْرِهَا.

وَإِنَّمَا كَانَتْ يَمِينُ الزَّوْجِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ مِنْ أَحْوَالِ الزَّوْجِ: أَنْ يُصَدِّقَهَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرِدِ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا، وَيُكَذِّبَهَا فِي أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ قَذْفَهُ بِالزِّنَا، فَيُحَلِّفُهَا أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ قَذْفَهُ فَإِذَا حَلَفَتْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِقَذْفٍ وَلَا زِنًا وَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ لَهَا إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ، وَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَحُدَّتْ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ.

وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يُكَذِّبَهَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرِدِ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا وَيُصَدِّقَهَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ قَذْفَهُ بِالزِّنَا، فَلَهُ إِحْلَافُهَا أَنَّهَا لَمْ تُرِدِ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا، فَإِذَا حَلَفَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ قَذْفِهَا إِلَّا أَنْ يَلْتَعِنَ، وَإِنْ نَكَلَتْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ فَيَسْقُطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا، وَبَيْنَ أَنْ يَلْتَعِنَ فَيَسْقُطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَيَجِبَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا إلا أن يلتعن.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: بَلْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي كَانتْ قَالَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقَذْفِ إِذَا لَمْ تُرِدْ بِهِ قَذْفًا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ أَوِ اللِّعَانُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ يَا زَانِيَةُ، فَتَقُولُ لَهُ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي، فَمَا ابْتَدَأَهَا بِهِ قَذْفٌ صَرِيحٌ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إِلَّا أَنْ يُلَاعِنَ، وَمَا أَجَابَتْهُ بِهِ كِنَايَةٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى إِرَادَتِهَا كَالَّذِي تَقَدَّمَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ مَعَارِيضَ الْقَذْفِ قَذْفٌ كَالصَّرِيحِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ صَرِيحِ اللَّفْظِ وَكِنَايَتِهِ وَقَدْ فَرَّقَ الشَّرْعُ بَيْنَهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>