المطلوب يصل إليه إذا أراده، فأما أن كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ فَلَيْسَ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَدْفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلطَّلَبِ وَالْعَجْزُ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: خَوْفُ السُّلْطَانِ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ بِالطَّلَبِ فَيَسْتَخْفِي تَوَقُّعًا لِاخْتِلَاسِهِ فَلَيْسَ لِلْمَطْلُوبِ الدَّفْعُ، وَيَكِلُهُ إِلَى السُّلْطَانِ فِيمَا يَخَافُهُ مِنَ اخْتِلَاسِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْجَزَ عَنْهُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْهُ بِحِصْنٍ يَأْوِي إِلَيْهِ أَوْ جَبَلٍ يَرْقَاهُ أَوْ عَشِيرَةٍ يَنْضَمُّ إِلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ مَانِعٌ نُظِرَ فِيهِ، فإن كان واسعاً لاتصل إِلَيْهِ سِهَامُهُ إِلَّا بِالْعُبُورِ إِلَيْهِ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِدَفْعِهِ مَا لَمْ يَعْبُرْ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَقْدِرِ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ سهام الطالب، فإن قدر على البعد منها مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ كَفَّ عَنْهُ وَبَعُدَ مِنْهُ.
(فَصْلٌ)
وَالْحُكْمُ الثَّانِي: فِي الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِذَا أَرَادَ نَفْسَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ لِقَتْلٍ أَوْ فَاحِشَةٍ أَوْ أَذًى أَوْ أَرَادَ مَالَهُ أَوْ حَرِيمَهُ أَوْ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ، فيكون حُكْمُ دَفْعِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَحُكْمِ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَحُكْمُ دَفْعِهِ عَنِ الْمَالِ وَالْحَرِيمِ كَحُكْمِ دَفْعِهِ عَنِ النُّفُوسِ؛ لِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) .
والشهيد: من كان له القتال وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) فَجَمَعَ بَيْنَ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ، فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي حُكْمِ الدَّفْعِ، فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ يَقْصِدُهُ بِالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَلَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى نَفْسٍ وَلَا مَالٍ فَلَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ بجرح ولا ضرب، ولا مقاتلته عَلَيْهِ بِقَذْفٍ وَلَا سَبٍّ؛ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ عَنِ الْقَذْفِ بِالْحَدِّ، وَعَنِ السَّبِّ بِالتَّعْزِيرِ، وَكِلَاهُمَا مِمَّا يَقُومُ السُّلْطَانُ بِهِمَا، فَإِنْ بَعُدَا عَنِ السُّلْطَانِ فِي بَادِيَةٍ نَائِيَةٍ فَقَدَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُجَاوَزَةٍ فِيهِ جَازَ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ فَصَارَ كَالدَّيْنِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى أَخْذِهِ إِذَا مُنِعَ مِنْهُ.
وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الدَّفْعِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِأَقَلِّ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ وَأَقَلُّهُ الْكَلَامُ، فَإِنْ كَانَ يَنْدَفِعُ بِالْكَلَامِ بِالنَّهْيِ وَالْوَعِيدِ ولم يَتَجَاوَزْهُ إِلَى ضَرْبٍ وَلَا جِرَاحٍ، فَإِنْ تَجَاوَزَهُ كَانَ مَأْخُوذًا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِالْكَلَامِ، فإن له أن يتجاوزه إِلَى الضَّرْبِ دُونَ الْجِرَاحِ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ عَدَدِ الضَّرْبِ وَصِفَتِهِ قَدْرُ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ، فَإِنْ تجاوزه إلى زيادة أو الجراح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute