للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ: إِنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُخَيِّرْهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا صَارَ مَا يَزْرَعُ مِنْهَا وَيَغْرِسُ مَجْهُولًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ الْإِجَارَةَ صَحِيحَةٌ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ النِّصْفَ، وَيَغْرِسَ النِّصْفَ لِأَنَّ جَمْعَهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ يَقْتَضِي التَّسْوِيةَ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ زَرَعَ جَمِيعَهَا جَازَ، لِأَنَّ زَرْعَ النِّصْفِ الْمَأْذُونِ فِي غَرْسِهِ أَقَلُّ ضَرَرًا، وَلَوْ غَرَسَ جَمِيعَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ غَرْسَ النِّصْفِ الْمَأْذُونِ فِي زَرْعِهِ أَكْثَرُ ضَرَرًا.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنِ انْقَضَتْ سِنُوهُ لَمْ يَكُنْ لِرَبّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ غَرْسَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ ثَمَرَتِهِ إِنْ كَانَتْ فِيهِ يَوْمَ يَقْلَعُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِرَبِّ الْغِرَاسِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْلَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ الْأَرْضَ وَالْغِرَاس كَالْبِنَاءِ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِ الأرض مطلقاً. (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِيَاسُ عِنْدِي وَبِاللَّهِ التوفيق أنه إذا أجل له أَجَّلَ لَهُ أَجَلًا يَغْرِسُ فِيهِ فَانْقَضَى الْأَجَلُ أَوْ أَذِنَ لَهُ ببناءٍ فِي عرصةٍ لَهُ سِنِينَ وَانْقَضَى الْأَجَلُ أَنَّ الْأَرْضَ وَالْعَرْصَةَ مَرْدُودَتَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعِرْهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ عَلَى أَهْلِهِ وَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى غراسٍ وَلَا بناءٍ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَ يَقُولُ {إلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} وَهَذَا قَدْ مَنَعَ مَالَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَا يَرْضَى شِرَاءَهُ فَأَيْنَ التَّرَاضِي ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصُورَتُهَا فِيمَنِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا وَيَغْرِسَ فَانْقَضَى الْأَجَلُ وَالْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ قَائِمٌ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ أَنْ يُحْدِثَ بِنَاءً وَلَا غَرْسًا، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَأَخَذَ بِقَلْعِ مَا أَحْدَثَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ مِنْ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ فَأَمَّا الْقَائِمُ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُمَا فِيهِ عند العقد من ثلاثة أحوال:

أحدهما: أَنْ يَشْتَرِطَا قَلْعَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيُؤْخَذُ المستأجر بقلع غرسه وبناءه لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَرْطِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ مَا حَدَثَ مِنْ حَفْرِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَا تَرْكَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَيُقِرُّ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشرط لأنه من موجباته فلو أَخَلَّ بِالشَّرْطِ وَيَصِيرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مُسْتَعِيرًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ مَا لَمْ يُصَرَّحْ لَهُ بِالْعَارِيَةِ، فَإِنْ قَلَعَ الْمُسْتَأْجِرُ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ مَا حَدَثَ مِنْ حَفْرِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ بِالْمِلْكِ. وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُطْلِقَا الْعَقْدَ فَلَا يُشْتَرَطَانِ فِيهِ قَلْعَهُ وَلَا تَرْكَهُ فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ مَقْلُوعًا كَقِيمَتِهِ قَائِمًا أَخَذَ الْمُسْتَأْجِرُ بِقَلْعِهِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ فِيهِ، وَلَا نقص،

<<  <  ج: ص:  >  >>