للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ادَّعَوْا قَتْلَ صَاحِبِهِمْ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ وَقَدْ غَابُوا عَنْ قَتْلِهِ " تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ ".

وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَرْوِيَ خَبَرَ الْوَاحِدِ، وَثَبَتَ بِهِ شَرْعًا جَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ لِيَثْبُتَ بِهِ حَقًّا.

وَلِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِمِثْلِهِ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِزَوْجَتِهِ فِي الظَّلَامِ ومعرفتها باللمس والكلام.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَقُلْتُ لِمَنْ قَالَ لَا أُجِيزُ الشَّاهِدَ وَإِنْ كَانَ بَصِيرًا حِينَ عَلِمَ حَتَّى يُعَايِنَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَوْمَ يُؤَدِّيهَا عَلَيْهِ فَأَنْتَ تُجِيزُ شَهَادَةَ الْبَصِيرِ عَلَى مَيِّتٍ وَعَلَى غَائِبٍ فِي حَالٍ وَهَذَا نَظِيرُ مَا أَنْكَرْتَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا أَرَادَ بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْبَصِيرِ إِذَا تَحَمَّلَ شَهَادَةً ثُمَّ عَمِيَ، لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بَعْدَ الْعَمَى، وَهِيَ عِنْدُ الشَّافِعِيِّ مَقْبُولَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ لَكِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ لَهُ فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى حَاضِرٍ، وَالْأَعْمَى لَا يُشَاهِدُ الْحَاضِرَ، فَلَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، فَنَاقَضَهُ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: أَنْتَ تُجِيزُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهُوَ غَيْرُ حَاضِرٍ، فَكَانَ هَذَا نَقْضًا لِمَذْهَبِهِ، فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْغَائِبِ وَإِبْطَالًا لِتَعْلِيلِهِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْأَعْمَى.

فَإِنْ قِيلَ شروط الأداء في الشاهدة أَغْلَظُ مِنْ شُرُوطِ التَّحَمُّلِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا، وَهُوَ صَغِيرٌ وَعَبْدٌ، وَفَاسِقٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَحُرِّيَّتِهِ وَعَدَالَتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ تَحَمُّلُ الْأَعْمَى لَهَا، فَأَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بِهَا.

قِيلَ: إِنَّمَا أُرِيدَ الْبَصَرُ فِي حَالِ التَّحَمُّلِ لِيَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِهَا، فَلَمْ يُعْتَبَرِ الْبَصَرُ فِي الْأَدَاءِ لِاسْتِقْرَارِ الْعِلْمِ بِهَا وَلَمْ يَمْنَعِ الصِّغَرُ وَالرِّقُّ، وَالْفِسْقُ مِنَ التَّحَمُّلِ، وَإِنْ مَنَعَ مِنَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهَا أَحْوَالٌ لَا تَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْعِلْمِ بِهَا وَتَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ الْحُكْمِ بِهَا.

(فَصْلٌ)

: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ وَالْأَحْوَلِ وَالْأَعْشَى، فَإِنْ كَانَ الْأَحْوَلُ يَرَى الْوَاحِدَ اثْنَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِي الْعَدَدِ، وَقُبِلَ فِيمَا سِوَاهُ.

وَأَمَّا شَهَادَةُ مَنْ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ الْأَشْخَاصَ وَلَا يَعْرِفُ الصُّورَ

<<  <  ج: ص:  >  >>