ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ تِلْكَ الصِّفَاتِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ الْجَهَالَةَ أولا يَنْفِيهَا عَنْهُ، فَإِنِ انْتَفَتْ عَنْهُ الْجَهَالَةُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَهُوَ أَنْ يَصِفَهُ بِالصِّفَاتِ الْمُسْتَحَقَّةِ فِي السَّلَمِ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ يَذْكُرَ جِنْسَهُ وَسِنَّهُ وَقَدهُ وَحِلْيَتَهُ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ هَذِهِ الصِّفَاتِ طُلِّقَتْ بِهِ، وَمَلَكَهُ الزَّوْجُ؛ وَإِنِ الْجَهَالَةَ قَدِ انْتَفَتْ عَنْهُ فَصَارَ مَعْلُومًا بِهَا فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا، فَإِنْ وَجَدَهُ مَعِيبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهُ بِمِثْلِهِ سَلِيمًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَعَ انْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ عَنْهُ مُتَعَيَّنًا بِالدَّفْعِ، فَصَارَ كَالْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبْدَالُهُ، كَذَلِكَ إِذَا تَعَيَّنَ بِالدَّفْعِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَدَلُهُ فَبِمَاذَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ فِي الْقَدِيمِ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ فِي الْجَدِيدِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهَا فَسَلَّمَتْ إِلَيْهِ الْعَبْدَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا كَانَ لَهُ إِبْدَالُهُ بِسَلِيمٍ لَا عَيْبَ فِيهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَقَدْ تَقَدَّمَهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالْعَقْدِ وَلَا صَارَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ مُعَيَّنًا بِالدَّفْعِ، فَجَرَى مَجْرَى الْمَالِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ إِذَا وَجَدَهُ مَعِيبًا أَبْدَلَهُ بِسَلِيمٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ فَصَارَ مُعَيَّنًا بِالدَّفْعِ، فَجَرَى مَجْرَى الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ وَصَفَ الْعَبْدَ بِمَا لَا يَنْفِي عَنْهُ الْجَهَالَةَ، وَلَا يَجْرِي فِي السَّلَمِ، فَإِذَا وُجِدَتْ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ طُلِّقَتْ بِدَفْعِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بِجَهَالَتِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا.
(فَصْلٌ:)
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُطْلِقَ ذِكْرَ الْعَبْدِ وَلَا يَصِفَهُ، وَيَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَيُّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ طُلِّقَتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالشُّرُوطِ الْمَجْهُولَةِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ لِجَهَالَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ بِالْعُقُودِ أَعْوَاضًا مَجْهُولَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُعْطِيَهُ عَبْدًا صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا صَحِيحًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي وُقُوعِ طَلَاقِهَا بِهِ، وَلَا تُطَلَّقُ لَوْ أَعْطَتْهُ أَمَةً، لِأَنَّ اسْمَ الْعَبْدِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا، وَلَا لَوْ أَعْطَتْهُ خُنْثَى لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أَمَةً،، وَلَوْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا مُدَبَّرًا أَوْ مُعْتَقًا بِصِفَةٍ، طُلِّقَتْ بِهِ لِانْطِلَاقِ اسْمِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَعْطَتْهُ مُكَاتَبًا لَمْ تُطَلَّقْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ أَخْرَجَتْهُ مِنْ حُكْمِ الْعَبِيدِ فَزَالَ عَنْهُ اسْمُ الْعَبْدِ.
وَلَوْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا لَهَا مَغْصُوبًا قَالَ أَبُو حامد الإسفراييني: لَا تُطَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُمْلَكَ بِالْعَقْدِ فَأَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُكَاتَبِ.
وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّهَا تُطَلَّقُ بِدَفْعِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُكْمِ الْعَبِيدِ فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسم العبد، وَقَدْ يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَاصِبِهِ وَعَلَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ يَخْرُجُ بِالدَّفْعِ أَنْ يَكُونَ مَغْصُوبًا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا تُطَلَّقُ مَعَ جَهَالَةِ الْعَبْدِ بِأَيِّ عَبْدٍ دَفَعَتْهُ وَلَا تَمْلِكُهُ فَلَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَمْ يَكُنْ إِغْفَالُ الشَّافِعِيِّ لِذِكْرِهِ إِسْقَاطًا مِنْهُ لِإِيجَابِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْمُزَنِيُّ فَاحْتَجَّ بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الشَّوَاهِدِ الصَّحِيحَةِ وَإِنَّمَا أَغْفَلَهُ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute