للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَبِهِ قال مالك في إحدى الروايتين عنه وقال: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ كَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ إِتْلَافِهَا، كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ إِتْلَافِ أَبْعَاضِهَا، كالصيد، إذا ثَبَتَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ثَبَتَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَاجِبَةً، فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: رِوَايَةُ الْحُمَيْدِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ ثُلُثَ دَمٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ ثُلُثَيْ دَمٍ، وَفِي الثَّلَاثِ دَمًا، وَاخْتَارَهُ الْمَرْوَزِيُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ وَجَبَ فِيهَا دَمٌ فَفِي أَبْعَاضِهَا أَبْعَاضُ ذَلِكَ الدَّمِ كَالصَّيْدِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مُخَرَّجٌ مِنَ الْأُمِّ، فِيمَنْ تَرَكَ حصاة، أن عليه فيها دِرْهَمًا، فَكَذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ دِرْهَمٌ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ الْمُجْتَمِعَةِ دَمٌ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُكَفِّرِ وَأَنْفَعُ لِلْآخِذِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْبُوَيْطِيُّ، وَعَلَيْهِ يَقُولُ سَائِرُ أَصْحَابِهِ: أَنَّ عَلَيْهِ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ مُدَّيْنِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ الْمُجْتَمِعَةِ دَمًا، لِأَنَّ فِي تَبْعِيضِ الدَّمِ مَشَقَّةً تَلْحَقُ الدَّافِعَ، وَضَرَرًا يَلْحَقُ الْآخِذَ، فَوَجَبَ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ جِنْسٍ، يَجِبُ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَأَقَلُّ الْإِطْعَامِ فِي الشَّرْعِ مُدٌّ، فَأَوْجَبَاهُ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ، اعْتِبَارًا بِالْآحَادِ.

الثَّانِي: عَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْجُمْلَةِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي اللِّبَاسِ إِذَا تَكَرَّرَ، هَلْ يَتَدَاخَلُ حُكْمُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَوْ حَلَقَ أَرْبَعَ شَعَرَاتٍ فِي أَرْبَعَةِ أَوْقَاتٍ؟ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، إِذَا رُوعِيَ حُكْمُ الِانْفِرَادِ.

وَالثَّانِي: عَلَيْهِ دَمٌ إِذَا رُوعِيَ حُكْمُ الِاجْتِمَاعِ وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ.

فَصْلٌ: حُكْمُ شعر اللحية وسائر الجسد

فَأَمَّا شَعْرُ اللِّحْيَةِ، وَسَائِرِ الْجَسَدِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ، وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ، إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقِ الْإِحْلَالُ بِهِ وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا فِدْيَةَ فِيهِ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، تَعَلُّقًا بقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيَ مَحِلَّهُ) {البقرة: ١٩٦) فَخَصَّ شَعْرَ رَأْسِهِ بِالْمَنْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يُخْتَصَّ بِالْفِدْيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ الْإِحْلَالُ بِشَعْرِ الرَّأْسِ دُونَ غَيْرِهِ، وَجَبَ أَنْ تُخْتَصَّ الْفِدْيَةُ بِشَعْرِ الرَّأْسِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَمَسُّ الْمُحْرِمُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا " وَلِأَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ يَتَعَلَّقُ بِحَلْقِهِ تَرْفِيهٌ، وَشَعْرُ الْجَسَدِ يَتَعَلَّقُ بِحَلْقِهِ تَرْفِيهٌ وَتَنْظِيفٌ، فَكَانَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>