للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: أَنَّ النَّوْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَأْثَمٌ وَيُفِيقُ [وَلَيْسَ] كَذَلِكَ السُّكْرُ.

(فَصْلٌ:)

وَالسُّؤَالُ الثَّانِي: قَالَ الْمُزَنِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ: أَوَلَيْسَ وَإِنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ كَمَا فِي مَعْنَى مَا أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ ذَهَابِ عَقْلِهِ وَارْتِفَاعِ إِرَادَتِهِ. وَهَذَا الْجَمْعُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِمَا أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِمَعْذُورٍ بِمَا أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ حُكْمِ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِ الْمَعْذُورِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَأْثَمُ بِمَا أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَأْثَمُ بِمَا أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْإِثْمِ وَغَيْرِ الْإِثْمِ. ثُمَّ قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَلَوِ افْتَرَقَ حُكْمُهُمَا فِي الْمَعْنَى الْوَاحِدِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ لَاخْتَلَفَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبِ نَفْسِهِ وَحُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ بِذَلِكَ طَلَاقُ بَعْضِ الْمَجَانِينِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّنَا كَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْجُنُونِ وَالسُّكْرِ لِأَنَّهُ إِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِشُرْبِ سُمٍّ أَوْ دَوَاءٍ لَا يَخْلُو حَالُهُ فِيهِ مِنْ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهُ يُسْكِرُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ فَقَدِ اسْتَوَيَا فِي أَنَّ طَلَاقَهُمَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِحَالِهِمَا لَا يَقَعُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ مِنَ الدَّوَاءِ يُسْكِرُ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّرَابَ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ يُسْكِرُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَدْعُوَهُ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ بِسُكْرِ هَذَا الدَّوَاءِ مُؤَاخَذًا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي شُرْبِ الْمُسْكِرِ شُرْبُهُ لِدَوَاءٍ اتَّفَقَ الطِّبُّ عَلَى أَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ غَيْرُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إِبَاحَةِ شُرْبِهِ لَهُ عِنْدَ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِيرُ مُبَاحًا لَهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمُسْكِرَةِ مِنَ الْبِنْجِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا لَا يَقَعُ طَلَاقُ مَنْ سَكِرَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي لَا يَجِدُ مِنْهَا بُدًّا فَقَدِ اسْتَوَيَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُبَاحًا وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: (مَا جُعِلَ شِفَاءُ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا) فَعَلَى هَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ سُكْرِ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَبَيْنَ سُكْرِ الدَّوَاءِ الْمُسْكِرِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّدَاوِي بِهِمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ شُرْبَ الْمُسْكِرِ فِي التَّدَاوِي يَدْعُو إِلَى شُرْبِهِ فِي غَيْرِ التَّدَاوِي لِمَيْلِ النَّفْسِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ شُرْبُ الدَّوَاءِ فِي التَّدَاوِي بِدَاعٍ إِلَى شُرْبِهِ فِي غَيْرِ التَّدَاوِي لِنُفُورِ النَّفْسِ عَنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَعَ سُكْرِ الشَّرَابِ لَذَّةً مُطْرِبَةً وَلَيْسَ مَعَ سُكْرِ الدَّوَاءِ هَذِهِ اللَّذَّةُ الْمُطْرِبَةُ فَافْتَرَقَ السَّكْرَانُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>