أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ صَيْدٌ كَالْمُعْتِقِ، لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عليٍّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَحِلُّ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ يُوجِبُ عَوْدَهُ إِلَى حُكْمِ الْإِبَاحَةِ؛ وَلِيَخْرُجَ عَنْ حُكْمِ السَّائِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَقْصِدَ بِإِرْسَالِهِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالْإِرْسَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَزُولُ كَمَا يَزُولُ لَوْ أَرْسَلَهُ مُتَقَرِّبًا بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَزُولُ مِلْكُهُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ بَعِيرَهُ أَوْ فَرَسَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: بِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ حَرُمَ صَيْدُهُ إِذَا عُرِفَ، وَإِنْ قِيلَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ حَلَّ صَيْدُهُ، وَإِنْ عُرِفَ، بِخِلَافِ مَا تَقَرَّبَ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْبَةِ حَقًّا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَكُلُّ مَا أَصَابَهُ حلالٌ فِي غَيْرِ حرمٍ مِمَّا يَكُونَ بِمَكَّةَ مِنْ حَمَامِهَا وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ إِنَّمَا نَمْنَعُ بِحَرَمَهِ بِغَيْرِهِ مِنْ حرمٍ أَوْ إحرامٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ، فَحَرَامٌ كَتَحْرِيمِهِ فِي الْإِحْرَامِ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْشَؤُهُ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ خَرَجَ الصَّيْدُ مِنَ الْحَرَمِ إِلَى الْحِلِّ حَلَّ صَيْدُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْشَؤُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحِلِّ، فَيَكُونُ تَحْرِيمُ الصَّيْدِ مُعْتَبَرًا بِمَكَانِهِ فِي حَالِ صَيْدِهِ لَا بِمَنْشَئِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ مَنْشَأُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ قَتَلَهُ، وَضَمِنَ بِالْجَزَاءِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ اعْتِبَارًا بِالْمَنْشَأِ؛ وَاسْتِدْلَالًا بِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْحُرْمَةِ بِهِ تَمْنَعُ مِنِ اسْتِبَاحَتِهِ كَمَا تَمْنَعُ مِنِ اسْتِبَاحَةِ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَأَحْجَارِهِ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ إِنَّمَا هُوَ لِحُرْمَةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ حَرَمٍ أَوْ إِحْرَامٍ، فَلَمَّا زَالَتْ حُرْمَتُهُ بِالْإِحْلَالِ مِنَ الْإِحْرَامِ وَجَبَ زَوَالُ حُرْمَتِهِ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْحَرَمِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ صَيْدُ الْحِلِّ إِذَا دَخَلَ إِلَى الْحَرَمِ اعْتِبَارًا بِمَكَانِهِ وَجَبَ أَنْ يَحِلَّ صَيْدُ الْحَرَمِ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ اعْتِبَارًا بِمَكَانِهِ، وَقَدِ اعْتَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِكَ فِي طَائِرٍ مَعَ صَبِيٍّ صَادَهُ مِنَ الْحِلِّ، وَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، فَقَالَ لَهُ: " يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ " فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أُمُورٍ.
مِنْهَا: إِنَّ مَا صِيدَ فِي الْحِلِّ جَازَ إِدْخَالُهُ إِلَى الْحَرَمِ اعْتِبَارًا بِمَكَانِهِ الَّذِي صِيدَ فِيهِ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ لَعِبِ الصِّبْيَانِ بِذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الْمَزْحِ مَعَ الصِّبْيَانِ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ كُنْيَةِ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ يتكنى باسمه.